قضايا العرب

تداعيات "الطوفان"... هل تفقد إسرائيل روابطها في أفريقيا؟

القاهرة - آية أمان

المشاركة

قبل عملية "طوفان الأقصى" بشهرين كان وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، يجري اتصالات مكثّفة لاستكمال عمليات التطبيع وتوسيع النشاط الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي في القارة الأفريقية عبر اتصالات ثنائية مباشرة ومحاولة استغلال الاتحاد الأفريقي للوساطة، مستهدفًا دول أفريقية إسلاميه كموريتانيا ومالي والنيجر، إلا أنّ المرجعية الأفريقية لرفض الاحتلال والعنصرية قادت لردود فعل غاضبة ضد الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزّة.

تداعيات

يتّجه المزاج الأفريقي الرسمي والشعبي إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، بخاصة على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي من أجل دعم عمليات التنمية والاستثمار في بلدان القارة السمراء، كذلك لم يكن هناك معارضة قوية لاستمرار التواجد السياسي والدبلوماسي، حيث لا يزال قرار انضمام إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي قائمًا ولم يُلغَ، إذ تم الاكتفاء بتجميده بعد اعتراض 15 دولة أغلبها من الشمال الأفريقي العربي من إجمالي 54 دولة.

تركيز إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على ملفات مكافحة الإرهاب وتعزيز مجال الأمن والدفاع، إلى جانب الملفات الاقتصادية بخاصة الزراعة ونقل التكنولوجيا، ضمن سياسة "الأمن الغذائي مقابل مكافحة الإرهاب"، كان مسار ترحيب من قادة الدول الأفريقية خاصة في منطقة الغرب التي بدأت علاقاتها تتحسن بإسرائيل منذ 2018، حيث أعادت تشاد العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع تل أبيب فضلًا عن تحسّن الاتصالات مع النيجر ومالي والسودان وهي الدول التي لا تزال تشهد اضطرابات سياسية عنيفة، ويرى قادتها الذين جاء معظمهم بانقلابات عسكرية غير شرعية في توثيق علاقاتهم باسرائيل إمكانية لجذب الدعم الأمريكي، بالتالي ترسيخ النفوذ السياسي وإضعاف المعارضة الداخلية.

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة اختلفت مواقف الدول الأفريقية، رغم اتجاه معظم بلدان الشرق الأفريقي لإدانه "حماس" عقب عملية "طوفان الأقصى" وإظهار الدعم الكامل للدولة العبرية، إلا أنّ الاتحاد الأفريقي بدا موقفه واضحًا في رفض الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزّة، وأعاد الدعوة إلى الاعتراف بحق الفلسطنيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة، فيما أبدى الاتحاد استعداده للعمل مع منظمات قليمية ودولية لوضع حد للصراع بين الفلسطنيين والإسرائيليين.

بينما كانت أغلب دول الشرق الأفريقي مؤيّدة لدولة الاحتلال دون اتخاذ أي مواقف تدين اعتداءاتها على السكان المدنيين في قطاع غزّة، كانت جنوب أفريقيا في مقدّمة دول الجنوب التي اتخذت موقفًا متشددًا ضد الممارسات الإسرائيلية على المستويين الرسمي والشعبي، حيث انطلقت دعوات المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وإدانة محاولات االتهجير وإجبار سكان شمال غزّة للنزوح بعد القصف المدمّر لمنازلهم، فيما اتّهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا جيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، واعتبر أنّ الفلسطينيين يعيشون تحت مظلّة الفصل العنصري، كما قدّمت بلاده شكوى للمحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق في "جرائم حرب" ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزّة، وصعّد برلمان بريتوريا موقفه إلى التصويت على إغلاق السفارة الإسرائيلية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.

في الجنوب الأفريقي أيضًا، اتخذت زيمبابوي مواقف متشدّدة ضد إسرائيل على المستويين الحكومي والحزبي، معتبرةً قطع الإمدادت الغذائية والمياه والطاقة "جريمة حرب" يجب أن تُعاقَب عليها دولة الاحتلال، وأكدت دعمها ومساندتها الكاملة للشعب الفلسطيني، وكانت الجابون وموزمبيق في مقدمة الدول الداعمة لمشروع القرار الروسي أمام مجلس الأمن في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لوقف إطلاق النار.

كما سجّلت موريتانيا مواقف معارضة للاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزّة، وانطلقت في السنغال حملة للدفاع عن القدس وفلسطين، وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزّة، واكتفت بلدان الشرق الأقرب إلى الإدارة الإسرائيلية بالدعوة إلى وقف أعمال الاقتتال من الطرفين والدعوة إلى السلام، بحيث طالب بيان للرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بالعودة إلى "حلّ الدولتين" وحلّ المشاكل عبر الحوار.

المواقف الأفريقية في المنظمات الإقليمية والدولية

تعديل السلوك التصويتي الأفريقي لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة من أبرز الأهداف على قائمة السياسة الخارجية لدولة الاحتلال، حيث رصدت دراسات عبرية ما يقرب من 1400 عملية تصويت في الأمم المتحدة حول قضايا مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي منذ عام 1990، كانت مواقف أغلب الدول الأفريقية فيها ضد مصالح إسرائيل.

مع بداية العدوان الأخير على قطاع غزّة فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الحرب، لكن بالنظر إلى مواقف الدول الأفريقية في الأمم المتحدة على مشروعات القرار كان هناك 36 دولة أفريقية مؤيّدة لمشروع القرار الذي قدّمه الأردن من أجل هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، ورغم المعارضة الإسرائيلية والأمريكية القوية لهذا القرار كانت كينيا التي تحتفظ بعلاقات متينة مع إسرائيل من بين الدول الموافقة على القرار، كما لم يكن هناك أي دولة أفريقية من بين الدول المعارضة للقرار.

تُظهر التصريحات والاتجاهات السياسية التحذيرية الغربية لاستمرار الاعتداءات الإسرائيلية كموجة جديدة في فقدان إسرائيل للتأييد والتعاطف الغربي بخاصة مع حجم التظاهرات التي تجتاح ميادين وشوارع دول أوروبية ضد الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين والأطفال والنساء في قطاع غزّة، وهو ما يبدو مماثلًا بين المجتمع المدني الأفريقي الذي يحمل تاريخًا طويلًا لمناهضة الاحتلال والممارسات العنصرية المناهضة لحقوق الإنسان، بما يشكّل تهديدًا للتواجد الإسرائيلي في القارة السمراء وما عملت عليه طيلة العقد الأخير لكسب مساعدة الأفارقة من أجل تعطيل أي قرارات مناهضة لإسرائيل.

العمليات العدوانية الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزّة أعادت التنسيق بين الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية حيث أصدرت المنظمتان بيانًا مشتركًا في 15 أكتوبر/تشرين الأول حذّرت فيه من إبادة جماعية غير مسبوقة ضد سكان القطاع وطالبا بوفق فوري للأعمال العسكرية. ويرى مراقبون أنّ تشابه موقف الاتحاد مع الجامعة العربية من شأنه تعزيز العمل العربي الأفريقي مجددًا، بخاصة في إطار كسب مزيد من التأييد الأفريقي وتوسيع رقعة الاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبار أنّ ذلك من شأنه منح الفلسطينيين الفرصة للتفاوض من موضع التكافؤ، ويعزّز من فرص السلام، وهو ما حاولت إسرائيل مقاومته منذ أن أسّست علاقاتها مع دول القارة.

تخوّف أفريقي من تأثير الحرب على الاقتصاد والأمن

وأفاد مسؤول حكومي في زامبيا في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أنّ حرب إسرائيل على قطاع غزّة ستؤثر على تمويل موازنة بلاده لعام 2024، فيما يتوقع تقلّص حجم المساعدات والمنح الإسرائيلية لبلاده وتوجيه الدعم لمناطق الصراع في الشرق الأوسط بدلًا من الدول الأفريقية، وهو ما قد يتسبّب في تفاقم الأزمات الاقتصادية واستمرار أزمة التضخّم.

ويرى مراقبون للمشهد الأفريقي أنّ تقلّص المساعدات الإسرائيلية بسبب التكلفة الكبيرة والخسائر الاقتصادية الغير مسبوقة التي تكبّدتها حكومة تل أبيب منذ بدء العمليات العسكرية على قطاع غزّة، سيدفع بلا شك دول أفريقية إلى عقد اتفاقات مع حلفاء آخريين منافسين لدولة الاحتلال في أفريقيا، كإيران وروسيا والصين، وهو ما يهدّد قوة التواجد الإسرائيلي في عديد من البلدان الأفريقية.

وكانت الإدارة الإسرائيلية قد عقدت العديد من الاتفاقات الأمنية في مجالات الدفاع والتقنيات العسكرية للمساعدة في مواجهة تقدّم جماعات إرهابية ذات التوجّه الاسلامي الراديكالي مثل "بوكو حرام" في غرب أفريقيا، وتمّ بالفعل العمل مع كينيا وإثيوبيا وأوغندا والكاميرون في تبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة الإرهاب، فيما نُشرت تقارير عن حصول إثيوبيا ورواندا على تقنيات التجسّس لاستخدامها ضد معارضين.

وتشير تقارير صحفية أفريقية محلية عن توقعات بانخفاض وتقليص حجم المساعدات الإسرائيلة لتمويل برامج التعاون الأفريقي – الإسرائيلي، بخاصة ما يتعلّق بالملفات التنموية مع تخصيص الجزء الأكبر من الإنفاق لصالح المجهود الحربي والعمليات الإسرائيلية في الشرق الأوسط من أجل تأمين مواطنيها ودعم المستوطنيين.

وأعلنت اليونيسيف في 24 نوفمبر/تشرين الثاني أنّ الحرب في غزّة تسبّبت في خفض الأموال المخصّصة للتدخلات الصحية في غرب ووسط أفريقيا إلى حوالى 50% بسبب الحروب المستمرّة، حيث انعكست الحرب على تمويل حالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة في أفريقيا، وجذبت تلك القضية اهتمام القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا حيث يتم توجيه معظم الموارد لمعالجة الوضع الإنساني في مناطق الحرب.

وتبقى الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزّة مهددة للمفهوم الأمني الإسرائيلي الذي يتبناه نتنياهو من أجل بناء القوة وتعزيز نشاط بلاده عبر القارة السمراء، حيث تضع الحرب تحديات جديدة أمام إسرائيل في الاحتفاظ بروابطها في القارة الأفريقية التي يبدو أنّ دولها ستكون مجبرة على البحث عن شركاء جدد بعد اهتزاز موقف إسرائيل في القارة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن