وتتقاطع مصادر يمنية، وأخرى غربية، عند التأكيد على أنّ "السعودية، وبالشراكة مع سلطنة عمان، تسعى لإبرام الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين سريعًا، لتتجنّب التعثّر في حال اتجهت الأوضاع نحو التصعيد مع زيادة هجمات الحوثيين على السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ولهذا الغرض تردد أنّ الرياض طلبت من واشنطن ضبط النفس تجاه هجمات الحوثيين".
وبالتزامن مع ذلك، كثّف المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ من تحرّكاته في عواصم منطقة الخليج، زار خلالها العاصمة العمانية مسقط، والتقى بعدد من كبار المسؤولين العمانيين وناقش معهم المساعي الإقليمية لدعم جهود الوساطة الأممية للسلام في اليمن. إذ تُعد السلطنة لاعبًا رئيسيًا في الصراع الذي يشهده هذا البلد منذ أزيد من تسعة أعوام، لا سيما وأنها تحتفظ بعلاقات جيّدة مع الحوثيين وتستضيف قيادتهم على أراضيها منذ سنوات.
المبعوث الأممي التقى أيضًا بكبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام وبحث معه سُبل المضيّ قدمًا نحو التوصّل إلى اتفاق حول تدابير لتحسين الظروف المعيشية، ووقف مستدام لإطلاق النار يشمل عموم البلاد، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، في إشارة واضحة إلى "اتفاق المبادئ" الذي وضعته الرياض ومسقط كمدخل لتجديد اتفاق وقف إطلاق النار والتدابير الاقتصادية والإنسانية، وترك بقية القضايا العالقة لحوار الأطراف اليمنية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وكان المبعوث الأممي قد زار قبلها الرياض مرّتين، التقى في الأولى بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وناقشا مضامين "اتفاق المبادئ" بشأن السلام في اليمن، والتقى في الثانية الرئيس اليمني رشاد العليمي وبحث معه الخطوات التالية نحو التوصل إلى اتفاق حول تدابير تحسين الظروف المعيشية، ووقف مستدام لإطلاق النار، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة. كما اجتمع بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر وناقش معه التقدّم في جهود وساطة السلام في اليمن وأهمية استمرار الدعم الإقليمي المتضافر.
ورغم الحديث عن اقتراب التوقيع على "اتفاق المبادئ" خلال فترة لا تتجاوز الشهر الجاري قبل بداية العام الجديد، ذكرت مصادر سياسية قريبة من أطراف الصراع أنّ "الجانبين الأمريكي والبريطاني يتحفّظان على مضامين هذا الاتفاق أو ما يُطلق عليها خارطة الطريق الخاصة بالسلام في اليمن"، وأكدت هذه المصادر لـ"عروبة 22" أنّ "هذا الموقف من شأنه أن يعرقل التوقيع على الاتفاق خلال هذه الفترة، وسط مخاوف من زيادة تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر بعد حادثة احتجاز سفينة شحن ومهاجمة سفينتين قبالة السواحل الغربية للبلاد".
لكن خلافًا لهذه الرؤية، يجزم الباحث والمحلل السياسي عبد الناصر المودع أنّ "هناك سباقًا مع الزمن لتوقيع وثيقة التفاهمات"، التي وصفها بأنها "طبخة من عدة مراحل"، سيتم في المرحلة الأولى "الإعلان بشكل رسمي عن إنهاء التحالف الذي تقوده السعودية والعمل على تجميد الحرب، وتثبيت الأمر الواقع، وفي أسوأ الأحوال سيصار إلى "يمننة الحرب" لتصبح حربًا محلية شبيهة بالحرب الدائرة في السودان".
ووفق رؤية المودع التي يؤيّدها كثير من السياسيين اليمنيين، فإنّ هذه الخطوة ستنم مقابل معالجة القضايا الإنسانية مثل صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين وفتح الطرقات والموانئ ومطار صنعاء. أما في المراحل الأخيرة من الاتفاق فستتولى الأمم المتحدة إدارة حوار بين أطراف الصراع اليمنية على معالجة القضايا الاقتصادية مثل توحيد العملة والبنك المركزي، بالإضافة إلى حوار سياسي حول مستقبل الدولة، حيث يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي باستعادة الدولة التي كانت في الجنوب قبل توحيد البلاد عام 1990م. كما تطرح كثير من الأطراف السياسة فكرة الدولة الفيدرالية، فيما يرفض الحوثيون كلا المقترحين.
ويؤكد سياسيون يمنيون أنّ التوقيع على هذه الخطة التي كانت حصيلة تفاهمات عُمانية - سعودية مع الحوثيين، في غياب الجانب الحكومي، كان من المفترض أن يتمّ خلال الشهر الماضي؛ إلا أنّ الحرب في غزّة أخّرت ذلك بناءً على طلب من الولايات المتحدة التي تخشى أن تؤدي تداعيات تلك الحرب إلى دخول حلفاء إيران في المنطقة، بما فيهم الحوثيون، على خط المواجهة وتوسعة رقعة الصراع في المنطقة.
واليوم، مع استئناف إسرائيل عدوانها على قطاع غزّة ورفض دعوات وقف إطلاق النار، قد يعود الحوثيون تحت إغراء الحصول على مكاسب سياسية وشعبية، إلى تصعيد عملياتهم، في البحر الأحمر، والدخول في مواجهة مع القوات الأمريكية أو حلفائها في المنطقة، ما سيؤدي حكمًا إلى اشتعال المواجهة وتأخير التوقيع أو ربما إلغاء الصفقة.
وفي ظل تأكيد عدد من المسؤولين وقادة الأحزاب المشاركة في الحكومة المعترف بها دوليًا أنهم كانوا بعيدين عن التفاهمات التي تم التوصل إليها، ذكر عبدالله نعمان، الأمين العام للتنظيم الناصري، أنهم يسمعون "حديثًا عن اتفاق بين السعودية والحوثيين"، لكنهم لا يعرفون شيئًا عن مضمونه أو تفاصيله أو المرجعيات التي استند عليها، مشكّكًا في "قدرة اتفاق جرى بتكتم شديد وبمعزل عن المجتمع اليمني وقواه السياسية على التوصل لتسوية تحمي مصالح وحقوق اليمنيين"، ورأى أنّ "هكذا اتفاق سيكون استجابةً لمصالح إقليمية فقط، بينما الغائب الوحيد فيه هو اليمن"، حيث اعتبر أنّ الهدنة التي جرت مع الحوثيين منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي "قوّضت المركز القانوني للدولة" ومنحت جماعة الحوثي "امتيازات"، ليعبّر في ضوء ذلك عن خشيته من أن يُمنح الحوثيون "المزيد من تلك الامتيازات" عبر هذا الاتفاق.
وخلال جلسة نقاشات عن الأحزاب والتسوية السياسية، جزم نعمان باستحالة الوصول إلى تحالف يُساعد على تحقيق سلام مستدام دون ترميم العلاقات بين مكونات الحكومة اليمنية الشرعية، وأعاد فشل التحالف السياسي الذي تشكّل من الأحزاب المعارضة للحوثيين إلى "الأحزاب التي كانت في السلطة"، والتي قال إنها مثّلت عائقًا لتنفيذ البرنامج الذي وقّع عليه، ولا يمكن أن تنجح التحالفات داخل الشرعية أو خارجها إلا إذا جرى التخلي عن المكاسب الضيقة والمصالح الشخصية والحزبية.
(خاص "عروبة 22")