صورة العرب في المناهج الدراسية الغربية

يُعرِّف إميل دوركايم (Emile Durkheim) التربية باعتبارها تلك العملية المنهجيّة التي تمارسها الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم ترشد بعد، عبر نقل منظومة الثقافة والأخلاق وقواعد السلوك والعادات والقيم. بمعنى آخر، عبر عملية تشكيل اجتماعي للواقع في أذهان الناشئين، سيشكّل مرجعًا وصورةً مهمةً للتعامل وقواعد السلوك مستقبلًا، وإضافةً إلى الأسرة كمؤسّسة التنشئة الاجتماعية الأولى التي يتعرّف إليها الطفل لحظة قدومه إلى هذا العالم. وتندرج المدرسة في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، وبخاصّة الكتب المدرسية التي يستمدّ منها المتعلّمون مواقفهم واتجاهاتهم إزاء الكثير من الوضعيّات الحياتية، وكذلك الثقافات الأجنبية، والجماعات العِرقية المختلفة.

صورة العرب في المناهج الدراسية الغربية

تُعدّ الكتب المدرسية، بحسب خبراء التربية، مصدرًا أوّليًا يُزوّدُ المتعلّمين بما يحتاجون إليه من معلوماتٍ مختلفةٍ عن التاريخ وحضارات العالم الذي يعيشون فيه. كما يساهم المُدرّسون في عملية التنشئة الاجتماعية، ليس عبر عملية نقل المعرفة المثبتة في المقرّرات الدراسية فقط، بل أيضًا عبر تقديم تفسيرٍ لمختلف المواضيع والمقرّرات والثقافات.

لعب العرب دورًا مُهمًّا في تطوير المعارف والعلوم ونقل الفلسفة اليونانية إلى الغرب

كما يمكن أن تؤدّي هذه العملية إلى تعزيز المواقف الإيجابية حول الآخر بصفةٍ عامة، فيُمكن أن تنشأ عنها صور سلبية أيضًا، ما يفتح المجال واسعًا لاشتغال الإيديولوجيا، بما هي تشويه وتزييف للواقع. في مقابل ذلك، يؤكّد أحد خبراء التربية، والحديث عن لوثر إيفانز (Luther H. Evans)، فإنّه يمكن للكتب المدرسية والمدرّسين أن يكونوا بمثابة البذرة لمحصولٍ من التفاهم الدولي والصداقة الدولية من خلال عرض الحقائق عرضًا صحيحًا من الناحيتَيْن الكمّية والنوعية وبمنظورٍ سليم.

من أولى عمليات "الأدلجة" التي تعمل على ترسيخ الصورة النّمطية السلبية عن العرب في المناهج الدراسية الغربية، أنّ أغلبها - أي المناهج الدراسية - تُصرّ على أنّ الحضارة الغربية ذات جذرٍ كلاسيكيّ "يوناني ــ روماني" وآخر "مسيحي ــ يهودي". ولكنّ الحقيقة التي تشير إليها الدراسات الموضوعيّة الدقيقة، أنّ ثقافة العصر الوسيط تُحتّم على الغرب الاعتراف بأنّ الحضارة الغربية ذات جذرٍ ثلاثيّ: يوناني - لاتيني - عربي، إذ لعب العرب دورًا مُهمًّا في تطوير المعارف والعلوم ونقل الفلسفة اليونانية إلى الغرب عبر مشاريع الترجمة والشروح والتفاسير.

إضافةً إلى ذلك، وفي أغلب المناهج الدراسية الأوروبية (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا وبريطانيا)، في التاريخ القديم والوسيط، لا يتمّ الفصل بين مفردتَي "عرب" و"مسلمين"، وتُستخدمان بالمعنى ذاته، وتسبغ على هؤلاء صفات مثل البدوية والدّونية إذا كانوا تابعين، وطباع العدائية والعنف إذا كانوا ثوارًا ومقاومين. وتُظهر هذه المناهج نقص الشخصيات العربية البدوية خُلقيًا وعقليًا واقتصاديًا ومهنيًا، كما تهمل أغلب النصوص والوضعيّات التعليمية أيّ صفة من الصفات المعروفة للبدو في الثقافة العربية الإسلامية مثل الشرف والشجاعة والجود وكرم الضيافة والتعاون والقناعة وقوة التحمّل، ما يجعل الصفات الإيجابية للعربي البطل أو الطيب استثناءً شاذًّا في الكتب الدراسية، بخاصّة كتب التاريخ، وإذا فرضت الواقعة التاريخية إدراجه، كان ذلك كشخصيةٍ ثانويةٍ ومجهولةٍ من دون هوية أو ملامح.

نظرت أميركا إلى العرب والعروبة كتهديدٍ لمصالحها ونتج عن ذلك نقل الصفات السيئة من اليهودي إلى العربي

كذلك، كانت النظرة الأميركية إلى العرب والمسلمين بصفةٍ عامّة، موروثةً عن أوروبا، والغريب في الأمر كما يشير أحد خبراء التربية، أنّ التلفزيون الأميركي كان - قبل الحرب العالمية الثانية - يَعتبرُ أنّ "الوغد العالمي" هو اليهودي، وكانت الصورة الذهنية عن اليهودي أنّه ذلك "المراوغ، الفاسد، المرتشي، الفوضوي والشره للمال". ولكن بعد الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة كقوةٍ عظمى تسعى لمدّ نفوذها وخدمة مصالحها القوميّة في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، "نظرت أميركا إلى العرب والعروبة كتهديدٍ لمصالحها"، ونتج عن ذلك نقل الصفات السيئة والصورة السلبية من اليهودي إلى العربي، وأصبح "رمز الشرّ هو العربي الذي يرتدي العباءة والكوفية، بدلًا من اليهودي الذي يرتدي القلنسوة ونجمة داوود". ويذكر الباحث أحمد خضور أنّ الاستشراق وجد في المناهج الدراسية المقرّرة للطلاب الأميركيين في مراحل التعليم المختلفة وسيلةً فعالةً لتشكيل وعي الأجيال المتعاقبة، وتصوير العرب كشعبٍ بدويّ مغرمٍ بالغزو والنهب والسلب، والعربي وثني كافر والإسلام ديانة غير متسامحة انتشرت بحدّ السيف فقط.

في مقابل ذلك، تصدّت دراسات وأطروحات عدّة في جامعات غربيّة في أوروبا وأميركا لسوء الفهم الواقع في التعامل مع العالم العربي في الكتب المدرسية والمؤلفات البيداغوجية، ولكنّ معظمها أنتجها باحثون من أصولٍ عربيةٍ، ما يُقلّلُ من أهمية الاستنتاجات التي تُقدّمها أو التوصيات التي تقترحها. في مقابل ذلك، تسجّل الوقائع العينيّة تقاعس العرب وبخاصّةٍ الأجهزة الإعلامية والمؤسّسات البحثية، والهيئات والمنظمات العربية، عن تصحيح تلك الصورة النّمطية، عبر تمويل المشاريع البحثية ونشر الكتب التي تصب في مصالح العرب وتعمّم صورتهم عن حياتهم وتصوّراتهم، وتعزيز المشاركات الأكاديمية العربية في الجامعات الغربية، ولمَ لا تكوين "مجموعات ضغطٍ عربية" في البلاد الغربية، تسعى للدفاع عن العرب وتقديم صورة أكثر إيجابية وموضوعية عنهم.

الحرب على غزّة هيّأت الأرضية لبناء سرديّة مغايرة عن العرب على مراكز النفوذ العربي استثمارها قبل أن يتم طمسها

في الأخير، ولئن كانت الحرب على غزّة، عبر الشبكات الاجتماعية والإنترنت قد أحدثت شرخًا في تلك الصورة السلبية التي سعت المقرّرات الغربية على مدى عقودٍ إلى ترسيخها في أذهان المواطن الأوروبي والأميركي على حدٍّ سواء، فإنّها في نهاية المطاف على قساوة سرديّتها وعنف صورها قد هيّأت الأرضية لبناء سرديّة أو صورة مغايرة عن العرب، على مراكز النفوذ العربي استثمارها، قبل أن يتم طمسها عبر الأذرع الغربية البراغماتية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن