إذا أردنا الحديث عن الهويّة لا بدّ من العودة إلى ما قاله أدونيس في إحدى مقدّماته لدراسته الثابت والمتحوّل: "الهويّة هي النظر إلى الأمام" وبالتالي فإنّ الهويّة عندي كفردٍ عربيّ لم تكتمل فكريًّا ولا ثقافيًّا كوننا لم نقترب من الكمال الفكري والثقافي... ولن نقترب.
فعلى الصعيد الفكري تغدو الهويّة حرّة، وهويّتي تحديدًا، كلّما خرجت عن النصوص، أو بتعبير أدقّ أصبحت "خارج النّص"، والنّص هنا يعني النّص الديني الذي قدّر له بفعل اجتهادات جمهور من الفقهاء والمجتهدين الذين عاركوا ويعاركون ثلّة من المفكّرين أن يكون دستور المجتمع الشرقي وطبعه وطبيعته.
والحق أنّ هذا التطبيع بين المجتمع وحركيّته والنّص السماويّ يساهم في تأخر تقدم الهويّة إلى الأمام٬ لا بل يجعل هذه الهويّة ثابتة تستمد جلّ ملامحها من سرديّات فاقت الألف عام، خصوصًا إن قرأت بعيدًا من التأويل أو النقد.
فالدين معتقد غذاء روحانيّ، نصّ حواري مع الخالق الموجود حكمًا، لكنّ احتكاكه المستمر بالهويّة، وبهويّتي كمشرقيّ، يساهم في جمودها ويعيق تطورها نحو التقلب والتغيير.
أمّا ثقافيًّا، فهويّتي العربيّة تنمو بنموّ الأفكار التي تتركها القراءة في ذهني، خصوصًا أنّ الكتب هي الجسر السليم الذي يحتضن خطوات الذاكرة ويأخذها نحو الخلود والبقاء ويبعدها عن هوّة النسيان... الثقافة عمومًا هي التبادل، والتبادل يبدأ بالكتب، والكتب تتطلّب قراءة، والقراءة تعني التعرّف، والتعرّف يساوي الهويّة... فهويّتي العربيّة على الصعيد الثقافي تنمو كلّما تقدمت نحو الكتاب... لأجد نفسي وأعرفها أكثر.
(خاص "عروبة 22")