قدم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مفهوم الحرب القبيحة لجيل Z من الشباب الصغير حول العالم، وأظهرت صور الضحايا الأبرياء المدنيين، والدمار الذي طال المستشفيات والمدارس وكل المرافق الضرورية للحياة، ما تعنيه ويلات الحروب على البشر خاصة مع تجاهل الطرف الأقوى، من ناحية قوة النيران والتجهيزات، أدنى قواعد القانون الدولي وقواعد الحرب المتفق عليها دوليا.
مَثل موقف جيل Z الأمريكي من العدوان الإسرائيلي، وحجم الدعم والتعاطف مع الجانب الفلسطيني في الصراع، صدمة لجيل الآباء والأمهات الذين فوجئوا بعقلية مختلفة من حيث رؤيتهم لأنفسهم وللعالم، ولمعاني الحق، والعدل، والمساواة.
ويستخدم مفهوم الجيل Z لوصف هؤلاء الذين ولدوا خلال أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل الحادي والعشرين، وتصنف بعض الموسوعات نطاقها العمري بين عامى 1997 إلى 2007، إلا أن هناك الكثير من الآراء حول صعوبة تحديد الأجيال وروح العصر الخاصة بهم بدقة وربطها بإطار زمني محدد.
يُعد الجيل Z أول جيل رقمي حقيقي، وعلى عكس جيل الألفية، الجيل الذي عاش خلال صعود الإنترنت بينما لا يزال ينمو مع التلفزيون التقليدي والهواتف الأرضية، عاش الجيل Z حياتهم بالكامل متصلة رقميا وتكنولوجيا بصورة لم يعهدها أيا من الأجيال السابقة عليهم. ولا يتذكر هذا الجيل الحياة قبل وجود وانتشار الهواتف الذكية. ونشأ هذا الجيل بصورة طبيعية واصلا ومستقبلا للمعلومات والأحداث حول العالم في ثوان عبر محتويات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. ولا يقرأ هذا الجيل في أغلبه الجرائد والصحف، لا الورقية ولا الرقمية منها، ولا يشاهد الشبكات الإخبارية الشهيرة.
ودفع ذلك لاستقلال هذا الجيل بعيدا عن سطوة الإعلام الأميركي الطاغي والذي سيطر على عقول وقلوب أجيال آباء وأمهات الجيل Z. ويتلقى هذا الجيل ويستقي معلوماته عن العدوان على قطاع غزة بصورة لا مركزية غير مسبوقة، ويرى ويشاهد فيديوهات قصيرة لا تتعدى الدقيقة الواحدة أو الدقيقتين على أقصى تقدير، ويشاهد الكثير من الصور التي تصله من كل العالم بما فيها من شوارع تل أبيب إلى دهاليز واشنطن وصولا إلى صور من وسط ركام ودمار شوارع ومستشفيات ومدارس قطاع غزة.
رغم أن الأمريكيين العاديين يحملون مشاعر إيجابية تجاه الإسرائيليين أكثر من مثيلاتها تجاه الفلسطينيين، فإن أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى زيادة كبيرة في نسب تعاطف الشباب الأمريكي من الجيل Z مع الفلسطينيين في الصراع الجاري، خاصة الفئة العمرية بين (18 و29 عاما)، إذ ينظر 61% منهم بإيجابية إلى الفلسطينيين، في حين تبلغ النسبة تجاه الإسرائيليين 56%.
أحد الأسباب التي جعلت الأخبار الواردة من غزة تؤثر بشكل كبير على جيل الشباب هو أنهم نشأوا وهم يعتبرون السلام أمرا طبيعيا وطبيعيا. لم تقدم الحرب في غزة الشباب الأمريكي إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، كما أظهرت لهم وجه الحرب الحقيقي.
وتزامنا مع العدوان على قطاع غزة، تحولت الجامعات الأمريكية لساحة ساخنة للتنافس بين الطلاب المناصرين للجانب الفلسطيني والمؤيدين لإسرائيل، وسط دعم كبير من الطلاب للموقف الفلسطيني.
ويدفع شباب الجيل Z من الأمريكيين العرب والمسلمين ــ الذي يشارك بصورة واضحة في الحراك الطلابي ــ إلى تسرب خطاب نقدي جديد وقوي يفند مقولات حتمية التحالف الأمريكي والدعم الكامل غير المشروط لإسرائيل.
ولم تعد شعارات «حق إسرائيل في الوجود»، و«الدفاع عن النفس»، و«معاداة السامية» تسيطر على المشهد الجامعي الأمريكي، لكن ظهرت في هذا العدوان كلمات وعبارات جديدة يفهمها الشباب الأمريكي، مثل «قتل المدنيين دون تمييز»، و«نظام الأبارتهايد»، و«التطهير العرقي».
أصبحت مشاهد المواجهات والسجالات في الجامعات مألوفة بشكل متزايد، إذ يتنافس الطلاب تبعا لتداعيات استمرار الحرب وارتفاع أعداد ضحايا القصف الإسرائيلي داخل قطاع غزة.
ودفعت تغيرات التركيبة السكانية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى زيادة أعداد المنتمين للجيل Z من أولاد مهاجري الدول الإسلامية الذين يقترب عددهم بسرعة من عدد الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. وأصبح من المألوف وجود مئات الطلاب المسلمين والعرب في مختلف الجامعات في كل الولايات الأمريكية.
وبسبب حراك الجيل Z المؤيد للجانب الفلسطيني في الكثير من الجامعات، دخل أعضاء هيئات التدريس والمانحون والمتبرعون للمؤسسات التعليمية على خط المواجهات، وتلقت الجامعات خلال الأسابيع الأخيرة آلاف الرسائل والبيانات والعرائض التي تطالبها بالتنديد أو التحدث أو التزام الصمت، ردا على احتجاجات الحرم الجامعي على خلفية عملية طوفان الأقصى والعدوان على قطاع غزة. ويخشى أنصار إسرائيل من خسارة جيل أمريكي قادم وسط صعوبة السيطرة الفكرية عليه بالأدوات التقليدية.
يبقى سؤال هام، وهو كيف سيشكل هذا الجيل مستقبل وموقف أمريكا من صراع غاب عنه الحياد لما يزيد عن 75 عاما؟ وهل سيغير الطلاب المتحمسون للتظاهر والاحتجاج مواقفهم عندما يكبرون عمريا وينتقلون لفئة سنية أقل حماسا وأكثر واقعية في المستقبل؟ وإذا كان هذا الجيل يمقت الحروب والعنف والدمار والظلم، فهل له أن يحاسب حكومته وساسته على دعمهم الأعمى للطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف، وهل سيتولون هم بأنفسهم مهمة تغيير موقف بلادهم، أم سيكونون جيلا عابرا كغيره من الأجيال التي سبقت، ولم تكترث؟.
("الشروق") المصرية