اقتصاد ومال

الإيرادات الجمركيّة اللبنانيّة الحديثة: هل تشير إلى تحسّن في الحوكمة؟ ملاحظة موجزة!

بادئ ذي بدء، يُقدّر البنك الدولي[1] أنّ إيرادات الحكومة اللبنانية بلغت 4 مليارات دولار في عام 2024، منها 3 مليارات دولار من عائدات الضرائب. إلى جانب ذلك، أفاد مصرف لبنان بأنّ عائدات الجمارك بلغت 0.548 مليار دولار في عام 2024، أي ما يعادل 18% من عائدات الضرائب. وبالنّظر إلى أنّ البلد استورد سلعًا بقيمة 16.9 مليار دولار في العام نفسه، فإنّ متوسط معدّل الرسوم الجمركية الضمني (0.548/16.9) بلغ 3.3% فقط، وهو معدّل منخفض للغاية بطبيعة الحال!.

الإيرادات الجمركيّة اللبنانيّة الحديثة: هل تشير إلى تحسّن في الحوكمة؟ 
ملاحظة موجزة!

قبل أن نُلقي نظرةً على ما حدث في عام 2025، من الضروري الإشارة إلى أرقام عام 2023. فقد قامت وزارة المالية بتعديل سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي لأغراضٍ جمركيةٍ من 15,000 إلى 45,000 في الربع الأول من عام 2023، ثم رفعته مرةً أخرى إلى سعر صيرفة 86,000 في مايو/أيار 2023[2]. وأخيرًا، عدّل مصرف لبنان في ديسمبر/كانون الأول 2023 سعر الصرف على منصة صيرفة إلى 89,500، وهو السعر الذي طُبّق على جميع التقييمات الجمركية منذ ذلك الحين. ونتيجةً لذلك، على الرَّغم من أنّ أرقام إيرادات الجمارك لعام 2023 بلغت 37.8 تريليون ليرة لبنانية، إلّا أنّها خضعت لثلاثة تقييمات لسعر الصرف، ممّا يجعل المقارنة مع عامَي 2024 و2025 - حين تمّ تطبيق سعر صرفٍ موحّدٍ قدره 89,500 - صعبةً للغاية.

متوسط مُعدّل الرسوم الجمركية سيرتفع من 3.3% إلى 7.3%

بالانتقال إلى عام 2025، تتغيّر الأرقام لتصبح لافتةً جدًّا. على الرَّغم من أنّ البيانات المتوفّرة تُغطي حتّى أبريل/نيسان 2025 فقط، فقد بلغت عائدات الجمارك خلال هذه الأشهر الأربعة 0.457 مليار دولار، أي نحو 1.4 مليار دولار على أساسٍ سنويّ، لمستوى مُتوقّعٍ من الواردات يبلغ 18.9 مليار دولار.

مقارنةً بعام 2024، يمثّل ذلك زيادةً بنحو 900 مليون دولار أو ما يقرب من 165%، في حين يُتوقّع أن تزداد الواردات بمقدار 2 مليار دولار أو 12% فقط. يُلاحظ أيضًا أنّ متوسط مُعدّل الرسوم الجمركية سيرتفع من 3.3% إلى 7.3%. كيف ولماذا يُمكن أن يحدث كل هذا؟

بعد استبعاد ارتفاع الواردات بشكلٍ كبيرٍ كسببٍ مُحتمل، يتبقّى لدينا ثلاثة أسباب محتملة:

1 - ارتفاع معدلات التعريفات الجمركية؛

2 - خطأ في الإبلاغ عن البيانات؛

3 - تحسّن في تحصيل الرسوم الجمركية وانخفاض في الفساد والتهريب.

ولكن بما أنّ معدّلات التعريفات الجمركية لم ترتفع في عام 2025، فإنّ التفسير الأوّل لا ينطبق؛ بالإضافة إلى ذلك، بما أنّ البيانات الجمركية معروفة بأنّها تأتي غالبًا أقلّ من الواقع بشكلٍ ملحوظ، فإنّ ذلك يستبعد التفسير الثاني.

"موانئ" دخول البضائع في لبنان أصبحت تُدار وتُنظَّم بهيكلية للحوْكمة أفضل من ذي قبل

لذا، يبقى التفسير الثالث الإجابة الأكثر احتمالًا، وهو في حدّ ذاته مفاجأة مُرحّبٌ بها للغاية ومُفيدة، لأنه يشير إلى أنّ "موانئ" دخول البضائع (الموانئ البحرية والمطارات والمعابر البرّية) في لبنان أصبحت تُدار وتُنظَّم بهيكليةٍ للحوْكمة أفضل من ذي قبل، وربّما ينبغي أن يُنسب الفضل في ذلك إلى الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الرئاسة/الحكومة التي تشكّلت منذ أوائل عام 2025 في هذا الصدد.

ونأمل أن تتحسّن عائدات الجمارك بشكلٍ أكبر مع الاستخدام الموعود لتقنيّات أكثر تطورًا في موانئ الدخول. والأفضل من ذلك، نأمل أن يكون هذا مؤشرًا إلى تحسّن الحوْكمة بشكلٍ عام وفي جميع الكيانات العامة.. ولكن، بالنّظر إلى أنّنا نتحدث عن لبنان هنا، ربما لا ينبغي أن نُفرط في حظّنا كثيرًا!.



[1] مرصد لبنان، هل تغيّرت مجرى الأمور؟ - ربيع 2025

[2] في الواقع، ارتفع سعر الصرف إلى 60,000 ليرة في النصف الأول من أيار 2023 ثم إلى 86,000 ليرة بعد ذلك

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن