يشير تطوّر معدلات العمالة في القطاع الزراعي بين سنوات 1991 و2018 إلى تناقص في هذه المعدلات يتراوح بين 1% كحد أدنى في دولة الصومال إلى 100% كحد أقصى مسجّل في دولة الاٍمارات العربية المتحدة.
والجدير بالذكر أنّ الدول العربية التي تُشكّل فيها الزراعة قطاعًا مهمًا تعرف أيضًا تناقصًا لا يُستهان به في معدلات عمالتها الزراعية في الفترة المذكورة، فالمغرب على سبيل المثال فقد حوالى 10% من عمالته من 1991 إلى 2018، وبالمثل، فقدت بلدان مثل الجزائر ومصر والعراق والسودان وسوريا معدلات للعمالة الزراعية بنسبة 41%، 23%، 44%، 15% و18%، على التوالي، في السنوات نفسها. وسيؤثر فقدان العمالة الزراعية سلبًا على الاٍنتاج الزراعي، ومن ثم وفرة الغذاء لمجموع السكان. واٍذا استمرّ الوضع على هذه الحال فمن المرجح أن تضطر الدول العربية إلى استيراد العمالة من الخارج للعمل في قطاع الزراعة.
لم يرافق التزايد السكاني زيادة في الإنتاج الزراعي مما جعل الفجوة بين الإنتاج والطلب على الغذاء في تزايد مستمر
ولقد تسبّب النمو السكاني في زيادة الاحتياجات الغذائية. فعلى سبيل المثال تابع تطور واردات المنتجات الزراعية بين عامي 1990 و2016 الاتجاه نفسه لمنحنى تطور عدد السكان في الفترة نفسها، ولكن بنسب أكبر. وهكذا، بينما تضاعف عدد السكان في العالم العربي تقريبًا من 1990 إلى 2016، وزادت قيمة واردات المنتجات الزراعية خمسة أضعاف، حيث انتقلت من 20.5 مليار دولار عام 1990 إلى 100.5 مليار دولار عام 2016. لم يرافق التزايد السكاني في الوطن العربي زيادة في الإنتاج الزراعي مما جعل الفجوة بين الإنتاج الزراعي والطلب على الغذاء في تزايد مستمر، وهذا هو ما دفع الدول العربية إلى اللجوء إلى الأسواق الخارجية لتلبية الزيادة في الطلب على الغذاء (أنظر الشكل أدناه).
فإذا أخذنا على سبيل المثال محصول القمح، الذي يُشكّل المصدر الأساسي للغذاء لنسبة عالية من السكان، فإنّ الإنتاج السنوي في المنطقة العربية خلال الفترة 1990-2018 كان في حدود 40 مليون طن، بينما تزايد استهلاك القمح من حوالى 68 مليون طن في العام 1990 إلى حوالى 140 مليون طن في العام 2017 (إحصائيات منظمة الفاو).
كما أشار تقرير أعدّه المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية عام 2015 إلى إرتفاع الاعتماد الصافي على الواردات الزراعية في المنطقة المغاربية والشرق الأوسط (التي تضم 19 دولة عربية من بين 21 دولة معنية) من 10% إلى 40% في خمسين عامًا (خلال الفترة الممتدة من 1961 إلى 2011)، مع وجود اختلافات كبيرة بين المناطق حيث شهدت المنطقة المغاربية والشرق الأوسط اعتمادًا على الواردات يتراوح من 10 إلى 54% ومن 15 إلى 50%، على التوالي، بينما سجلت مصر أدنى نسبة تبعية (10% -30%). ووفقًا لتوقعات التقرير نفسه سيصل الاعتماد على الأسواق الخارجية لتلبية الزيادة في الطلب على الغذاء في هذه المنطقة إلى ما يقرب من 70% (68% في المنطقة المغاربية، 67% في الشرق الأدنى و64% في الشرق الأوسط) بحلول عام 2050 إذا لم تتخذ التدابير المناسبة، خاصة تلك المتعلقة بالتكيّف مع التغيّرات المناخية.
كما ساهم العديد من العوامل في خفض الاٍنتاج، أهمها النقص في موارد المياه. فحسب دراسة أعدت للبنك الدولي قد ينخفض الإنتاج الزراعي بنسبة 60% في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة للنضوب السريع للمياه الجوفية.
هناك "جوع مستتر" في العديد من البلدان العربية ويجب تحسين الإنتاج الزراعي كمًا ونوعًا
ومع تزايد هذه الفجوة، يبقى هَمّ الدول المستوردة للغذاء هو قدرتها على شراء حاجتها من الغذاء بشكل مستدام. علمًا أنّ الميزان التجاري الغذائي للبلدان العربية، وبدون إستثناء، هو ميزان سلبي، مما يسبب مشكلة على الأمن الغذائي الوطني تبعاً للميزان التجاري لكل دولة.
إنّ الإهتمام الرئيسي لكل بلد مستورد للغذاء وبشكل مستمر هو قدرته عل الحصول على احتياجاته الحالية والمستقبلية. والمأزق الحالي هو أنّ العديد من البلدان العربية تعاني عجزًا في ميزانها التجاري، أحد أسبابه هو أنّ غالبية هذه البلدان تعاني من عجز كبير في ميزان السلع الغذائية، مما يهدد أمنها الغذائي.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ هناك "جوعًا مستترًا" في العديد من البلدان العربية، والمقصود بذلك أنّ الغذاء المتوفر للناس لا يحوي على المواصفات الغذائية الضرورية. ومن ثم، عندما نتحدث عن تحسين الإنتاج الزراعي باعتماد ممارسات زراعية متطورة يجب ألا يغيب عن ذهننا أنّ المقصود هو تحسين الإنتاج كمًا ونوعًا، بمعنى آخر أنّ هناك ضرورة لوضع هدف مهم أمامنا في العقود القادمة وهو إنتاج غذاء كافٍ وصحي ومتاح لكل فئات المجتمع.
خالد مكوك - الجمعية العربية لوقاية النبات، بيروت، لبنان
نجية زرمان - كلية العلوم، جامعة الجزائر، الجزائر
(خاص "عروبة 22")