الأمن الغذائي والمائي

نحو ثورة في تكنولوجيا تعبئة المنتجات الغذائية العربية!عبوات ذكية تُحذّرك من فساد المنتَج

يمكن أن تصنع تكنولوجيا التعبئة والتغليف ثورة في المُنتَجات الغذائية الزراعية العربية، فمع ازدياد التنافس العالمي على جودة وأمان المنتجات الزراعية أصبح من الضروري تطوير نُظُم التعبئة والتغليف التقليدية المُعتمِدة على البلاستيك الذي يتسبّب بمشكلاتٍ بيئيةٍ خطيرةٍ حيث تُعدّ مخلّفات البلاستيك من أكثر النفايات انتشارًا وصعوبةً في التحلّل، إذ تتسبّب في تلوّث التربة والمياه، وتؤذي الحيوانات البرية والبحرية.

نحو ثورة في تكنولوجيا تعبئة المنتجات الغذائية العربية!
عبوات ذكية تُحذّرك من فساد المنتَج

باتت جودة التعبئة معيارًا أساسيًا لقبول أو رفض الشحنات الزراعية المُصدَّرة في الكثير من دول العالم، وبالتالي فإنّ تطوير نُظُم التعبئة والتغليف يُمثّل ضرورةً اقتصاديةً مع اتجاه الدول العربية لزيادة صادراتها الزراعية.

الاستثمار في نُظُم التعبئة والتغليف المتطوّرة يؤدّي إلى خفض التكاليف وزيادة الربحيّة على المدى المتوسط والطويل 

المشكلة أنّ معظم الدول العربية تعاني من ضعف نُظُم التعبئة والتغليف المتطوّرة، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة الفاقِد في منتجاتها الغذائية إلى أكثر من 30% نتیجة سوء التغليف أو عدم وجود معايير عربية موحّدة، ممّا يعيق عملية التكامل بين الأسواق العربية، ويقلّل فرص التصدير بين الأسواق العربية وبالتبعيّة إلى الأسواق العالمية، في ظلّ التوجّه العالمي نحو المنتجات الغذائية ذات الجودة العالية.

ولهذا السبب لا بدّ أن تتّجه الدول العربية لتطوير نُظُم التعبئة والتغليف لمنتجاتها الغذائية لضمان قبولها في الأسواق العالمية. وقد يبدو أنّ الاستثمار في نُظُم التعبئة والتغليف الحديثة والمتطوّرة أمرٌ مُكلف، إلّا أنّه على المدى المتوسط والطويل يؤدّي إلى خفض التكاليف الإجماليّة وزيادة الربحيّة.

وهناك تطورات هائلة في مجال التعبئة والتغليف تؤدّي إلى زيادة فرص التصدير والتسويق المحلّي للمنتجات الزراعية مثل العبوات الكرتون والبلاستيك القابل للتحلّل الذاتي والأغلفة النشطة المصنّعة من خاماتٍ طبيعيةٍ تحافظ على جودة محتواها من الأغذية، وذلك بامتصاص الرطوبة الزائدة أو عبر إطلاقها لمواد حافظة طبيعية تمنع الفساد ونموّ الميكروبات.

وهناك أيضًا الأغلفة الذكية التي تحتوي على شرائط أو مُلصقات تتفاعل مع التغييرات الكيميائيّة التي تحدث في المواد الغذائية، فيتغيّر لون الملصق بدرجاتٍ متفاوتةٍ طبقًا لدرجة تغيّر أو فساد المنتج الغذائي، ممّا يكشف ما إذا كانت درجات التبريد قد تغيّرت أو اختلفت أثناء فترة التخزين. ولقد لاقت تلك التقنية نجاحًا كبيرًا في بعض المنتجات التي يصعب على المستهلكين اكتشاف درجة فسادها مثل اللحوم والدواجن والأسماك.

وهناك مشروع بحثي مموّل من "أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا" في مصر نجح في إنتاج عبواتٍ ذكيةٍ مصنوعةٍ من مواد عضوية قابلة للتحلّل ومزوّدة بمؤشرات لونيّة للكشف عن فساد المنتجات.

أصبح للذكاء الاصطناعي دور فعّال في تطوير نُظُم التعبئة والتغليف والتسويق

وهنالك أيضًا نُظُم جديدة ومُبتكرة تجمع بين الاستدامة البيئية وسلامة المنتجات الغذائية من خلال أغلفةٍ عضويةٍ خاليةٍ من المواد الكيميائية المُضرّة مُصنّعة من النشا الطبيعي والسليلوز والألياف النباتية وكذلك "الشيتوزان" المأخوذ من قشور القشريات، ومثل هذه العبوات ضرورية في العديد من الأسواق الأوروبية والأميركية.

ولم يعد التطوّر في مجال التعبئة والتغليف يقتصر على اختيار الخامات الآمنة والحافظة للبيئة فقط، بل أصبح للذكاء الاصطناعي دور فعّال في تطوير نُظُم التعبئة والتغليف والتسويق، بحيث بات عاملًا حاسمًا في تصميم نُظُم تغليف تتكيّف مع احتياجات السوق عبر تحليل البيانات الخاصّة بسلوك المستهلكين لتطوير عبواتٍ جذّابةٍ تتماشى مع تفضيلات العملاء. كما يمكن للأنظمة الذكية اقتراح تغيّرات في حجم أو شكل العبوات بناءً على أنماط الاستهلاك أو مناطق التوزيع، ويمكنها حتى اقتراح بدائل تحافظ على جودة المنتج وتقلّل من التأثيرات البيئية التي تسبّبها العبوات التقليدية. كما تساهم أنظمة الرؤية الحاسوبيّة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في اكتشاف العيوب في العبوات على خطوط الإنتاج بما يحدّ من الفاقد ويرفع من جودة المنتج، إضافةً إلى أنّ التغليف الجيّد يمكن أن يفتح المجال لتقديم المنتج لشرائح سوقية أعلى، مثل الفنادق والمتاجر الفاخرة، ممّا يحقّق أرباحًا أكبر للمصدّرين، كما أنّ ازدياد التسوّق عبر الإنترنت أدّى إلى التوجه نحو تغليف مناسب للتجارة الإلكترونية من خلال تطوير عبوات خفيفة الوزن وسهلة الفتح وآمنة للنقل.

ولقد شهدت نُظُم التعبئة والتغليف في الوطن العربي تطوّرًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض الدول العربية بالتحوّل تدريجيًا نحو تغليف مُنتجاتها الزراعيّة بمواد آمنة ومُستدامة تناسب الأسواق العالمية بهدف تحسين صورة منتجاتها لدى الدول المستوردة والمنظّمات العالمية المعنية بمعايير الجودة مثل "منظمة المعايير الدولية" (ISO) و"هيئة الغذاء والدواء الأميركية" (FAD) و"الاتحاد الأوروبي لسلامة الغذاء" و"منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (FAO).

وعلى سبيل المثال، شهدت مصر تطويرًا لمنظوماتٍ جديدةٍ ومُبتكرةٍ لمحاصيل العنب والموالح أدّت إلى ارتفاع القبول في الأسواق الأوروبية.

كما تعمل شركات سعودية على تسويق التمور بعبواتٍ فاخرةٍ استهدفت الأسواق العالمية، وهو ما ساهم في رفع قيمتها وزيادة الطلب عليها. وفي الإمارات، شُيدت مصانع حديثة تستخدم أحدث التّكنولوجيات في تغليف المنتجات الزراعية.

وعلى الرَّغم من استيعاب أغلب الدول العربية لأهمّية النُظُم الحديثة للتعبئة والتغليف، لا تزال هناك مجموعة من التحدّيات التي تُعرقل الاستفادة الكاملة من تلك النُظُم في دعم الصادرات العربية، والتي من أبرزها ارتفاع تكلفة المواد الخام المُستوردة ونقص الخبرات المحلية في تصميم العبوات وفقًا للمعايير الدولية، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز تغليف مُتخصّصة بالقرب من مناطق الإنتاج الزراعي والغذائي، ممّا يجبر المنتجين على الاعتماد على حلول تغليف بدائية أو مكلفة.

 يجب إطلاق برامج تدريبية للمنتجين للتعريف بأحدث نُظُم التعبئة ومردودها على فرص التسويق والمنافسة في الأسواق

كما أنّ غياب التنسيق بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص يؤخّر فرص إيجاد حلول جديدة، بخاصّة أنّ بعضها يتطلّب استثماراتٍ ضخمةً لا تتوافر لصغار المُنتجين والمُصدّرين. وعلى الرَّغم من ذلك، يجب وضع خطط فعّالة ومُستدامة من أجل تطوير نُظُم التعبئة والتغليف في الدول العربية تعتمد على توحيد المواصفات والمعايير الفنّية للعبوات الخاصّة بالمنتجات الغذائية لزيادة تبادل التجارة البينيّة وكذلك التصدير للأسواق العالميّة، مع تشجيع الاستثمار في مراكز التغليف سواءً عبر الجهات الرسمية أو القطاع الخاص من خلال شراكاتٍ تهدف إلى زيادة الصادرات.

كما يجب إيلاء عناية خاصّة للبحث العلمي في هذا المجال، بما في ذلك الدراسات المشتركة بين المراكز والجامعات العربية المعنيّة وتبادل التجارب فيما بينها.

ويجب أيضًا إطلاق برامج تدريبية للمنتجين للتعريف بأحدث نُظُم التعبئة ومردودها على فرص التسويق والمنافسة في الأسواق المحلية والدولية، مع دعم الأفكار المُبتكرة التي تُناسب طبيعة الظروف المحلية من حيث الخامات المُتاحة واحتياجات الأسواق ومواكبة التطوّر العالمي بهدف زيادة قدرة المنتجات العربية على المنافسة ودعم الاقتصادات العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن