لا يبدو في الأفق أمل في حل سياسي لأزمة الحرب، وذلك إلى الدرجة التي ارتفعت فيها أصوات سودانية مشهود لها بالوطنية والاستقلال تطلب وصاية دولية على السودان لمدة لا تقل عن عقد من الزمان في محاولة لإنقاذ الشعب السوداني من هذه الحرب المرعبة التي صنعها أبناؤه دون غيرهم!.
في هذا السياق يبدو أنّ المحيطين العربي والأفريقي معًا قد عجزا عن اختراق الأزمة فلم تنجح منابر مثل جدّة أو مؤتمر دول الجوار في القاهرة، وكذلك منبر الإيغاد الأفريقي في الوصول حتي إلى أقل درجات تحجيم الكارثة أي وقف إطلاق النار والوصول إلى مائدة تفاوض، وباتت معادلات التفاعل والممارسات من جانب طرفَي الصراع العسكري السوداني يمكن وصفها بالصفرية.
هذه المعادلة أفرزت حالة من انعدام الثقة على الصعيد الشعبي السوداني في النخب السياسية السودانية على تنوّعها التي لم تستطع أن تمارس حيادًا حقيقيًا وموضوعيًا بين طرفَي الصراع العسكري، كما لم تستطع أن تخلق مسافات مناسبة بين الأطراف الإقليمية المتناقضة الرؤى بشأن الحالة السودانية، وذلك بعد أن انقسموا على أُسُس الولاء بين الأطراف سواءً على صعيد إقليمي أو عرقي، من هنا غاب البُعد الوطني السوداني المتجرّد، وبذلك عجزت هذه النخب أن تكون رمانة الميزان في حل يوقف الحرب.
ومن الطبيعي في هذه الحالة أن ترتفع أصوات من حساسيات جديدة تسعى إلى محاولة اختراق هذه الأزمة المعقدة، وقد تابعتُ في هذا السياق أصواتًا سودانية من المهاجر في جميع أنحاء العالم تطرح أفكارًا جديرة بالنقاش، كما تابعتُ أصواتًا سودانية على منابر المنصات ذات الطابع البحثي والأكاديمي، "مؤسسة فكرة السودانية"، تنادي بطريق ثالث لحل هذه الأزمة.
نحتاج إلى نقاش معمّق حول بديل ثالث أطرُحه من "عروبة 22"
السؤال هنا ما هو الطريق الثالث، وكيف يتبلور، ومن تكون القوى الدافعة وراءه، وما هي التحديات التي يمكن أن يواجهها، وهل يستطيع بالفعل أن يكون بديلًا لحالة الاستقطاب الراهنة وبالتالي يكون طريقًا لإنهاء الحرب؟.
أعترف أنني ليس لدي الكثير من الإجابات على هذه التساؤلات، ولكني أطرح تمرينًا للنقاش السوداني العام في محاولة للخروج من نفق الأزمة، مثلًا:
هل يمكن الدعوة لمنبر مشترك على المستوى الإقليمي بين القاهرة وأبو ظبي وأديس أبابا تناقش فيه العواصم حدود مصالح كل طرف، وبالتالي تساهم هذه التفاهمات في تحجيم الاستقطاب السياسي الداخلي؟
هل يمكن التعامل مع طرح الوصاية الدولية بما تحمله الفكرة من تشكيل هياكل سياسية مؤقتة بعيدًا عن النخب السياسية والعسكرية المتصارعة، وتجرى بعدها انتخابات على أن يتم خلال هذه الفترة الاتفاق على هيكلة جديدة للجيش السوداني؟
هل يمكن أن يقود المعادلة الآن جسم جديد من شخصيات مستقلة بمحددات معينة؟.. وهي فكرة منسوبة للصديق منتصر آبا صالح من المهجر الأمريكي.
في ظني نحن نحتاج إلى نقاش معمّق حول البديل الثالث والذي أطرُحه من منصة "عروبة 22".. هذا البديل أقترح أن يتبنّاه منبر جديد أتصوّر أن يعمل ضمن المحددات التالية:
- أن يتشكّل المنبر، بإدارته والمسهلين فيه، من غير السودانيين ولكنهم على دراية بالمُشكل وغير قابلين للاستقطاب.
- ينعقد في بلد غير عربي ولا أفريقي ليكون بعيدًا عن حالة الاستقطاب الراهنة ويكون منقطع الصلة بالإدارات الغربية المعنية بالسودان.
- القائمون على بلورة البديل الثالث هم سودانيون غير مسيّسون لم ينخرطوا في أحزاب سياسية أو منظمات مجتمع مدني، ومن المهم أن يكونوا مؤهلين علميًا ومهنيًا، ومستقلين سياسيًا ومشهودًا لهم بالاستقامة والنزاهة السياسية والمالية يأخذون بعين الاعتبار الخبرات العالمية في حل مثل هذه الصراعات خصوصًا في أفريقيا.
- تمويل هذا المجهود يكون من المجتمع الأهلي السوداني ورجال الأعمال المستقلين والبعيدين عن أطراف الصراع الراهن.
- الهدف النهائي هو بلورة مشروع سياسي جديد له بُعدان، الأول وقف الحرب، والثاني صياغة تصوّر لشكل الدولة السودانية بعد الحرب، أي محاولة تأسيس جديد لدولة الاستقلال الوطني في السودان.
أفكار غير نهائية أطرحُها للنقاش العام ربما نصل إلى ضوء في نفق الحرب السودانية المأساوية
هذا المشروع يتم طرحه في حال التوافق عليه في استفتاء عام للسودانيين بالداخل والخارج تحت إشراف الأمم المتحدة، يمكن أن يكون ملزمًا لطرفَي الصراع بطبيعة الالتفاف الشعبي حوله إذا تحققت له القدرة على تحقيق مصالح الجميع بإنصاف وموضوعية.
بطبيعة الحال هذه الأفكار غير نهائية أطرحُها للنقاش العام ربما نصل معًا إلى ضوء في نفق الحرب السودانية المأساوية التي تتحول يومًا بعد يوم إلى حرب أهلية لن ينجو منها أحد. ويعلم الله أنّ بقاء السودان كدولة تقوم بوظائفها بكفاءة إزاء شعبها وتقوم بأدوارها في محيطها العربي والأفريقي والعالمي هو ما وراء القصد.
(خاص "عروبة 22")