بصمات

"قادة الرأي" في المجتمع الغربي اليوم

ليس من لغو الحديث أن يُنعت "طوفان الأقصى" بالزلزال، ذلك أنه يشارك الزلزال الذي يصيب بعضًا من الكرة الأرضية في صفات شتى أخصها اثنتان: المفاجأة والارتداد. ينعت علماء الجيولوجيا مناطق معلومة من الكرة الأرضية بالهشاشة وبالتالي يقررون أنّ من شأن كوارث عظمى أن تحدث فيها بيد أنهم يعجزون عن تعيين زمن معلوم، بل ومحتمل، لنزول الكارثة بساحة البشر.

في عبارة أخرى، فإنّ توقع زمان المفاجأة يظل قائمًا، يجثم على الصدور. بيد أنّ الأشد وقعًا على النفوس هو ترقب حدوث الهزات الارتدادية وهذه، بدورها، لا أحد يملك تجاهها حيلة فالإنسان في عجز عن الجزم بزمان حدوثها وكذا بشدتها، فليس يملك سوى الخوف والريبة. ولسنا نريد، في حديثنا هذا، أن نعرض لعنصر المفاجأة وما كان له من أثر علينا، نحن العرب في مستويات تتفاوت شدة وتتابين بتباين الجهات - وهذا من جهة أولى. ثم ما كان له من آثار أبعد غورًا بالنسبة لإسرائيل وللقوى الداعمة لها دون شرط ولا تردد - وهذا من جهة ثانية. لسنا نريد ذلك إذ إنّ الأمور بادية للعيان، ولعل من مبتذل القول أن نسعى إلى التدليل على ذلك وإلى التنبيه إليه. ما يعنينا حقًا هو أن ننبّه إلى بعض مظاهر المفاجأة وترقب الهزات الارتدادية في بلدان ومجتمعات العالم الغربي بشقيه: الأوروبي والأمريكي.

المظاهرات المليونية المتكررة تُظهر للعيان أنّ "قادة الرأي" في الغرب لم يعودوا هم أنفسهم

لا يعنينا حديث المفاجأة في مستوى الحكومات والنظم السياسية، ذلك أنّ الخوض في المسألة من شأن علم السياسة ومن شأن أهلها الذين يمتلكون الكفاءة الضرورية في ذلك. ما يعنينا من أمر المفاجأة هو ما يتبيّن لنا ظهوره في مستوى المجتمعات وقد انعكس في مستوى السلوك العام، أي وقد كان التعبير عنه في مستوى أنماط السلوك القابل للملاحظة بالنسبة. لنقل، في عبارة أخرى، أنّ ما يعنينا أمره هو ما يتجلى في مستوى الوعي الثقافي الجماعي، أي في المستوى الذي تتجلى فيه الصورة الحق للوجود الاجتماعي للبشر، في مستوى الرأي العام وقادته وصانعيه.

المألوف في الوجود الاجتماعي، الحديث خاصة والمعاصر بوجه أخص، هو أنّ الشريحة العليا من المتنورين، تلك التي ننعتها بفئة المثقفين جملة، هي التي تسهم ببلورة الوعي الثقافي العام وتوجهه. ولتقريب الصورة إلى الأذهان نقول إنّ ما درجنا عليه، منذ ستينيات القرن الماضي هو أن تحرك الوعي في الغرب الأوروبي بوجوب تمكين الدول المستعمرة من الاستقلال - وكذا ما كان من الحرب الطوية البطولية التي خاضها الفيتنام كان القادة فيها هم المثقفون. وقد يكفي أن نستعيد ما تحتفظ به الأرشيفات من مواقف الفيلسوف الفرنسي ورفاقه العديدين ومن آثاره القوية في احداث الهزة الكبيرة في الوعي الثقافي الفرنسي العام ومن الأثر المباشر لذلك. ثم ان الوجود الانساني اليوم يعلمنا كيف أنّ الصحافة (في أشكالها الثلاثة المعلومة، بجانب ما ينعته الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير بالأجهزة الإيديولوجية للدولة) تنحت الوعي الثقافي العام وتوجهه. وفي هذا الكيف من النظر إلى الأشياء يصح الحديث عن المفاجأة شبه تلك التي يحدثها الزلزال المدمر من حيث مباينة ما حدث لما كان مترقبًا. والمعتاد، في الصورة التي ترتسم في الغرب الأوروبي والأمريكي، في مستوى الحكومات والأنظمة السياسية هي تلك الصورة التي تتآلف عناصرها على النحو التالي: إسرائيل، ثمرة الظلم والإبادة التي ألحقتها النازية بالشعب اليهودي، معاداة السامية والإساءة إلى شعب تتالت عليه نكبات عظمى للغرب فيها النصيب الأوفر (فهذا دين عالمي تلزم تصفيته، ونصرتها دون تردد أو شرط - أيًا كان - سبيل الضمير الغربي إلى الشفاء من عقدة الذنب النازي)، الإرهاب "الإسلامي".

تململ في الغرب.. موازين تختل ومعالم أزمة تلوح في الأفق

والمفاجأة، كما تجليها المظاهرات المليونية المتكررة في مختلف عواصم وبلدان الغرب الأمريكي الأوروبي تُظهر للعيان أنّ "قادة الرأي" في الغرب لم يعودوا هم أنفسهم، كما يقضي بذلك حكم المعتاد والمترقب.

شيء ما هو بصدد التململ والتحرك في الغرب بشقيه: الأمريكي والأوروبي. موازين تختل ومعالم أزمة تلوح في الأفق. ما عسى أن يسفر عنه الغد القريب؟ لا نملك إلا أن نقول مع هاملت: هناك فساد ما في مملكة الدانمرك. فساد ما، قد لا نحسن الحديث عنه بيد أننا نملك أن نقول إنه من ارتدادات الزلزال، زلزال الأقصى.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن