في دراسة نشرت حديثًا، وبُنيت على معلومات ساهم بتزويدها 219 خبيرًا من حول العالم، أكدت أنّ الآفات على مستوى العالم تسبّب خسارة 21.5% في محصول القمح، 30% في الأرز، 22.5% في الذرة، 17.2% في البطاطا/البطاطس و21.4% في فول الصويا، وهذه المحاصيل الخمسة تمثّل عصب الغذاء في العالم، حيث تشكل 50% من مصادر الطاقة الغذائية لجميع سكان العالم. وأكد التقرير أنّ الخسارة الإقتصادية نتيجة الآفات هي أعلى من المعدل في المناطق التي تعاني حاليًا نقصًا في الغذاء وتزايدًا في عدد السكان، والمنطقة العربية هي إحداها.
الأمن الغذائي العربي سيكون مهددًا أكثر في العقود القادمة ولا بد من تبني وتنفيذ استراتيجيات تخفّف من حدة نقص الغذاء
تبلغ مساحة البلدان العربية 1.42 بليون هكتار، يسكنها حاليًا حوالى 450 مليون نسمة، إلا أنّ الأراضي المزروعة لا تتجاوز 5% من هذه المساحة. نتج عن هذا الضغط السكاني وقلة المساحة المزروعة أنّ البلدان العربية لا تنتج ما يكفيها من الغذاء، فهي حاليًا تستورد في المتوسط 30% من غذائها ويقدّر ثمن هذا العجز الغذائي بحوالى 35 بليون دولار أمريكي. وتشير هذه الأرقام بوضوح إلى أنّ الأمن الغذائي العربي مهدّد. هذا التهديد ليس متساويًا بين الدول العربية، فالعجز الغذائي في اليمن هو في حدود 70% بينما في السودان هو في حدود 15%.
وإذا أضفنا لقلّة المساحة المزروعة (وهذه لن تتغيّر في العقود القادمة، وقد تكون في تناقص)، أنّ هناك مشاكل قادمة ستزيد من حدة المشكلة أهمّها التغيّر المناخي (الإنخفاض في الهطل المطري، الإرتفاع في درجات الحرارة وزيادة الجفاف وارتفاع نسبة تملّح الأراضي الزراعية، تدهور نوعية المياه الجوفية في المناطق الساحلية... الخ) ومشاكل أخرى ناتجة عن عدم الإستقرار السياسي بالإضافة إلى التدهور البيئي المصاحب لهذه التغيّرات، كلّها تشير إلى أنّ الأمن الغذائي للمنطقة العربية سيكون مهددًا أكثر وأكثر في العقود القادمة، ولا بد من التفكير بشكل جدي في بذل أقصى الجهود لتبني وتنفيذ استراتيجيات تخفّف من حدة نقص الغذاء. ومن هنا تأتي أهمية تقليل الفاقد للمحاصيل الزراعية الناتج عن الآفات الزراعية المختلفة.
تحديد مقدار الخسائر الناجمة عن الآفات في المنطقة العربية يساعد في رسم سياسات تُسهم في رفع الإنتاج الزراعي
منذ بدء الزراعة، أي من حوالى 10000 سنة، بقي المزارع بتنافس مستمر مع الكائنات الأخرى التي تفتك بالمحاصيل الزراعية، سواء أكانت حيوانية (حشرات، حلم، نيماتودا، قوارض، طيور... الخ) أو أمراض (فطور، بكتيريا، فيروسات... الخ) أو أعشاب ضارة والمتعارف على تسميتها "آفات"، وهذه جميعًا لديها القدرة على تخفيض الإنتاج الزراعي إلى حد كبير. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ حجم خسارة المحصول بسبب الآفات متغيّر بتغيّر الآفات والمحاصيل والمواقع الجغرافية والمواسم. وبشكل عام نجد أكبر خسارة للمحاصيل تسبّبها الأعشاب الضارة (المنافسة أو المتطفلة على المحصول) يليها في الترتيب تلك الخسارة التي تسبّبها الحشرات ثم الأمراض، إلا أنّ هذا التدرّج قد يتغيّر من منطقة إلى أخرى ومن موسم إلى آخر. ومن المفيد القول إنه في العقود الخمسة الماضية التي اتسمت باستخدام مكثّف للمبيدات الزراعية، لم تنحسر الخسارة في الإنتاج بسبب الآفات بشكل معنوي، مما يستوجب إعتماد استراتيجيات أفضل لمكافحة الآفات.
تجدر في هذا السياق الإشارة إلى أنه حتى الآن لا يوجد أرقام دقيقة حول مقدار الخسارة الإقتصادية الناجمة عن الآفات الزراعية في المنطقة العربية، والأرقام الموجودة لدى الهيئات المختلفة ليست إلا أرقامًا تقريبية أو تخمينات. لذلك لا بد من بذل جهد مبرمج لتحديد مقدار الخسائر في الحاصلات الزراعية الناجمة عن الآفات المختلفة في المنطقة العربية، إذ إنّ ذلك سيساعد كثيرًا في تحديد الظروف المثلى ورسم السياسات التي تُسهم في رفع الإنتاج الزراعي وتحقيق أمن وسلامة الغذاء في البلدان العربية.
خالد مكوك - الجمعية العربية لوقاية النبات، بيروت، لبنان
نجية زرمان - كلية العلوم، جامعة الجزائر، الجزائر
(خاص "عروبة 22")