وجهات نظر

نحو عودة إلى الحلم العربــي الكبير؟

صلاح سلام

المشاركة

عندما استمعتُ إلى كلام الصديق المهندس غسان البلبل عن مشروعه "عــروبة 22"، خُيِّل إليّ أنني أسمع كلامًا يعود إلى زمن مضى، بكل ما حمله من طموحات، ومع كل ما إنطوى عليه من خيبات.

نحو عودة إلى الحلم العربــي الكبير؟

لكنه حضر في الجلسة الثانية ومعه دراسة مفصّلة عن المشروع: المنطلقات والأهداف، برامج التخطيط وآليات التنفيذ. وشرح مُسهب عن المبادئ والأفكار التي تُشكّل الأرضية الصلبة للمشروع، وكمّ من العناوين لقضايا وملفات ذات طابع قومي، من شأنها إغناء التوجهات العربية المشتركة، وإحياء المشاعر القومية التي توارت في العقود الأخيرة، في لجج الخلافات القُطرية، بعد إنحسار المدّ القومي الذي بلغ ذروته في زمن الزعامة الناصرية.

"عروبة 22" مشروع جدّي يعتمد أساليب العلم والتخطيط ويتميّز بواقعية في التفكير والتنفيذ

بصراحة، لم يُتح لي قراءة الدراسة المفصّلة، التي زاد عدد صفحاتها عن الثلاثمائة صفحة، ولكنني إنكبيتُ على الملخص المرفق معها، والذي طلب مني الصديق العزيز أن أعطيه رأيي وملاحظاتي عليه.

بعد قراءة متأنية ومعمّقة لما ورد في الملخّص التنظيمي، من بنية فكرية، وخطوات تمهيدية، وما يعقبها من إجراءات تنفيذية، بما فيها تحديد دقيق للهيكلية الإدارية، أدركتُ أنّ المسألة ليست حلمًا عابرًا، أو مجرد أمنيات شخصية، ولا مجموعة أفكار رومانسية، بل نحن أمام مشروع جدّي، يعتمد أساليب العلم والتخطيط، ويتميّز بواقعية في التفكير والتنفيذ، وتحديد الإمكانيات المادية المدروسة، بعد دراسة المتطلّبات المالية، ووضع الميزانية العملية بعناية وحصافة، دون مبالغة في التقدير، ودون تقتير في التوفير.

ديناميكية ناشطة أدت إلى تحويل الفكرة ــ الحلم إلى مشروع

توقعتُ أن تأخذ مرحلة الإعداد والإعلان عن إنطلاقة المشروع الطموح فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات، إستنادًا على الصعوبات المتوقعة في ظل الظروف الإنهيارية التي يعيشها لبنان، والعقبات البيروقراطية التي تؤخّر معظم المشاريع الوليدة.

ولكن الديناميكية الناشطة التي رافقت الحماس للمشروع من قبل غسان البلبل، مع المتابعة الدقيقة والحثيثة من الرئيس فؤاد السنيورة، الذي لا يكلّ ولا يملّ في مناقشة التفاصيل في كل تفصيل، وفي ملاحقة كل شاردة وواردة في كل خطوة على طريق التنفيذ، أدّت جميعها إلى تحويل الفكرة ــ الحلم إلى مشروع على أرض الواقع.

لم تأخذ مرحلة الإعداد والتأسيس سوى بضعة أشهر، أي أقلّ من سنة، تم خلالها إستئجار المكاتب وتجهيزها بالمستوى اللازم، وبما يؤمن فعالية العمل بالسرعة الممكنة، ولكن الأهم أنه تمّ إختيار مجموعة من أهل العلم والإختصاص لإدارة المشروع بأساليب حديثة، تجمع بين الكفاءة والخبرة، والقدرة على الإستفادة من الإمكانيات التي توفّرها التطورات التكنولوجية الجديدة، في تسريع خطوات التواصل والإنتشار ليس في الفضاء العربي وحسب، بل وحيث هي لغة الضاد منتشرة.

رؤية فكرية مستقبلية تُؤسّس لجعل مصالح الشعوب العربية المدماك الأساس في إستعادة الوعي الجماعي

حرصتُ أن أروي بعض التفاصيل التي رافقت إعداد وولادة المشروع ــ المغامرة "عــروبة 22"، لأؤكد على حجم الإيمان بأهمية وجود مثل هذه المنصّات والمنابر، ودورها التوعوي والتثقيفي، في تنوير الأجيال الشبابيّة على إستراتيجيّة العمل القومي العربي، وضرورة تعزيز التعاون العربي المشترك، لتحقيق الطموحات الكبيرة في التطوير والتحديث والتنمية المستدامة، وذلك على خلفية رؤية فكرية مستقبلية، تُحاكي الواقع، وتُؤسّس لمجموعة من الخطوات تجعل من المصالح المشتركة للشعوب العربية، هي المدماك الأساس في إستعادة الوعي الجماعي لضرورات تفعيل وحماية التعاون بين البلدان العربية.

والقائمون على هذا المشروع الإستراتيجي يدركون أنّ مهمتهم ليست سهلة، وأنّ طريقهم ليست مفروشة بالورود والرياحين، وأنّ العرقلات التي قد يتعرّضون لها من هنا وهناك، ستزيد التحديات التي تواجهها الدعوة للعودة إلى العروبة، لإخراج الأمة من أتون الحروب والمعارك التي تأكل نيرانها الأخضر واليابس، من إمكانيات وقدرات العالم العربي، والتي تُعمّق جروح التناقضات والصراعات التي تستنزف الطاقات العربية بلا طائل، وتحول دون قيام الكيان العربي المتماسك، على النحو الذي جري في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى إلى قيام السوق الأوروبية المشتركة أولًا، ثم تطوّر سياسيًا إلى مستوى إعلان الإتحاد الأوروبي، الذي يجمع أكثر من 27 دولة أوروبية، طوت صفحة حروبها المزمنة، وتلاقت على إنشاء القوة الدولية الثالثة في العالم، مع الحرص على حفاظ خصوصية وإستقلالية كل دولة عضو في الإتحاد.

فهل تكون "عروبة 22" بدايةً لتحقيق هذا الحلم العربي الكبير؟ 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن