لا توحي الجغرافيا السياسة المتفجّرة في الشرق الأوسط بإمكانية التنبؤ بالوصول إلى حلول سياسية. فتبدو الأزمات كما التسويات السياسية مترابطة في مواجهة مشاكل تتخبط يها دول المنطقة، وفي أماكن أخرى. قوى عديدة كبيرة أم صغيرة، تعمل من خارج إطار الدولة والعلاقات الدولية، تساهم في عرقلة الجهود حسنّة النيّة، لحل المشاكل الصعبة.
كانت عملية أوسلو للسلام في التسعينات نموذجًا لعملية سياسية أقرب ما توصّل إليه طرفا الصراع من عرب واسرائييلين. أدت مفاوضات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول خليجية إلى مسافة "صفر" من إقامة علاقات دبلوماسية والتوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية، فجاءات عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، متعمّدةً وقفها مطلقًا.
إسرائيل لم تخضع للمساءلة ولم تشعر حكوماتها بالحاجة إلى تقديم تنازلات فكانت الكارثة التي تواجهها حاليًا
في العام 1994 قتل مستوطن/أميركي 29 فلسطينيًا، كما اغتال مستوطن آخر في وقت لاحق (بن غفير) رئيس الوزراء اسحق رابين. جهات حقيقية لا تريد السلام. أحداث ساعدت بنيامين نتنياهو على أن يصبح رئيسًا للوزراء، كما أنّ حرب غزّة تساهم في بقائه، متمسكًا برفضه "حل الدولتين". ليس نتنياهو وحده في موقفه الرافض، بل أيضًا مجموعات مثل "ايباك" و"رابطة مكافحة التشهير" أو"المسيحيين المتحدّين من أجل إسرائيل".
عوامل خطرة أمام التقدّم في حلول سلميّة، إضافة إلى تسويق وجهة نظر أحادية للجانب الأميركي. كان الرؤساء السابقون، بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما ملتزمين بـ"حل الدولتين" لكن على الرغم من نفوذهم، لم يكن أي من هؤلاء الرؤساء على استعداد لممارسة ضغوط جديّة من خلال حجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل والدعم الدبلوماسي لمشروع التوصل الى صفقة عادلة، تتوقف فيها إسرائيل عن بناء المستوطنات وتُفكّك نظام الفصل العنصري. إسرائيل لم تخضع للمساءلة، ولم تشعر حكوماتها المتعاقبة بالحاجة إلى تقديم تنازلات، أو النظر في العواقب الطويلة الأجل لأفعالها. فكانت الكارثة التي تواجهها إسرائيل حاليًا (فورين بوليسي).
عوامل خمسة، تُشكّل عقبة أمام السلام، وهناك عوامل أخرى، والنتيجة أنّ الصراع في الشرق الأوسط لن ينتهي في أي وقت قريب، و"مأساة" الفلسطينيين مستمرّة وسلوك اسرائيل في غزّة قد يعرّض اليهود في كل العالم للخطر بسبب تأجيج "معاداة السامية"، كما أنّ إدارة بايدن متواطئة بشكل نشط في حملة إسرائيل الوحشيّة التي أدت إلى جرائم إبادة جماعية. فتدفع أميركا ثمنًا كبيرًا كزعيمة للنظام الدولي القائم على قواعد قانونية.
أوقات خطرة وقلقة في وقت يكافح العالم في عالم اقتصادي متعثّر، وبعد خمسين عامًا من الصدمات النفطية، ومنطقة اليورو على حافة الركود، ودول أخرى تشهد نموًا هزيلاً نتيجة للحرب الأوكرانية، والتوترات السياسية تتصاعد بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، كوسيلة حمائية مربحة على المستوى السياسي لكنها مكلفة على المستوى الاقتصادي (البحر الأحمر).
لن ينجح الدعم الغربي في إنقاذ الكيان المحتل حتى لو حماه من الهزيمة الواضحة في غزّة
في كل أنحاء العالم هناك خلاف حول الحملة العسكرية الإسرائيلية وما تتسبب به بين المدنيين الفلسطينيين، من دون حدود لدعم الولايات المتحدة الاميركية للحرب على "حماس". أرضية هذا الدعم تتغيّر(فورين آفيرز)، فلطالما عزا الإسرائيليون الدعم الأميركي القوي لبلادهم إلى مجموعة من القيم المشتركة – بما في ذلك الحرية والتعددية والديمقراطية والمصالح والاستقرار - كل ذلك يتغيّر مع ظهور "فجوة بين أجيال الاميركيين الأكبر سنًا الذين يدعمون إسرائيل كوطن قومي بعد المحرقة اليهودية، وأجيال الأميركيين الشباب الذين يرون إسرائيل نتنياهو والأعراف الديمقراطية والليبرالية المتهاوية.
توصي "فورين بوليسي" و"فورين آفيرز" و"نيويورك تايمز"، بوقف إطلاق نار بسرعة وعناية، وبموقف واضح بشأن الحقوق والدولة الفلسطينية المشروعة. لن ينجح الدعم الغربي في إنقاذ الكيان المحتل، حتى لو حماه من الهزيمة الواضحة في غزّة، إزاء انتصار الفلسطينيين والعرب (استطلاع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى).
(خاص "عروبة 22")