في المغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان والسودان وغيرها من الدول العربية، لا يتردد آلاف الشباب في الهجرة بطرق غير شرعية، إما عبر اختراق "بحر الظلمات المتوسطي" على متن "قوارب الموت" أو بطرق احتيالية أخرى، لبلوغ ما يعتبرونه "فردوس" أوروبا المنشودة!.
ويطرح مختصون في ملف الهجرة أسئلة عن الأسباب الحقيقية التي تدفع الشباب العرب إلى المغامرة بسلامتهم وحياتهم، وسط أهوال البحر، للوصول إلى أوروبا.. فهل تستحق هذه الهجرة السرية بالفعل كل هذه المغامرة غير محسوبة العواقب؟.
الهجرة عير النظامية.. بالأرقام
في المغرب مثلًا، شهدت سنة 2022 إجهاض السلطات الأمنية زهاء 71 ألف محاولة للهجرة غير النظامية عبر البحر إلى إسبانيا، وِفق أرقام رسمية لوزارة الداخلية، وفي الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2023 تم إحباط أزيد من 25 ألف محاولة للهجرة السرية.
أمّا في الجزائر، فتنشط شبكات الهجرة السرية إلى أوروبا بسبب الأوضاع الاجتماعية المؤرّقة، الشيء الذي دفع القضاء الجزائري إلى التعامل بحزم مع ملفات تنظيم رحلات الإبحار السري نحو الصفة الأوروبية.
والمأزق نفسه في تونس الخضراء، حيث تنشط عصابات تهجير الشباب إلى أوروبا بمبالغ مالية كبيرة، وهو ما حذا بالحكومة التونسية إلى القبول بمساعدة أوروبية بقيمة 105 ملايين يورو، من أجل العمل على منع مهربّي البشر وقوارب المهاجرين صوب أوروبا.
وفي ليبيا حيث الأوضاع الاجتماعية تتأزم أكثر فأكثر منذ أحداث 2011، تستغل شبكات التهجير السري الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية المتردية في البلاد من أجل استقطاب آلاف الشباب الليبي لخوض المغامرة بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وفي لبنان شهدت سواحله أكثر من 155 محاولة للهجرة غير الشرعية خلال الربع الثالث من سنة 2022، خاضها 4637 شخصًا، وتسبّبت في وفاة 214 شخصًا وفقدان 225.
ويُعتبر المصريون في طليعة الجنسيات الأكثر وصولًا بشكل غير قانوني إلى سواحل جنوب أوروبا، وتحديدًا إيطاليا، حيث تفيد معطيات رسمية لمفوضية الاتحاد الأوروبي أنّ أزيد من 3500 مصري عبروا البحر الأبيض المتوسط في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.
الظاهرة.. ودوافعها
ولفهم هذه الظاهرة، يوضح السوسيولوجي والباحث المتخصّص في الهجرة الدولية بجامعة عبد المالك السعدي، محمد حيتومي لمنصّة "عروبة 22" أنّ "العالم يزداد يومًا عن يوم تقاربًا وتجاذبًا وانفتاحًا وحركيًة فيما بين مختلف الشعوب والدول والمناطق، وبين مختلف الثقافات وأنساقها الحضارية، ومن منظور سوسيولوجي، يمكن تصوّر الهجرة باعتبارها فعلًا وظاهرًة لا تقتصر على الانتقال للعيش فيما بين كيانات سياسية وجغرافية أو تاريخية وحسب؛ وإنّما هي باتت تمثّل اليوم مجالًا لكسب الفرص، وصناعتها بدل انتظار فرصة قد لا تأتي؛ وإن أتت فالغالب أنّها دون الطموح في بلدان الأصول العربية، خاصّة وأنّ الأشخاص النشيطين والطموحين في المجتمعات العربية يئسوا من حياة الانتظار التي يُهدر فيها العمر بلا أفق مقنِع ومستقبل موعود".
ويلفت حيتومي إلى أنّ "ضغوطات الحياة الاجتماعية والاقتصادية ترتفع وتزداد شدة كلّما اختنقت البلدان سياسيًا وثقافيًا"، معتبرًا أنّه "على المستوى المواطني، ما تزال منظومة الحقوق والحريات محدودة وهشة في الكثير من مناطق العالم العربي حيث تحيط المخاطر الأمنية والعسكرية بمجمل نواحي حياة المواطنين".
ويضيف: "كما أنّ الفساد صار ثقافةً ومتاهةً وورطةً يصعب التخلّص منها في الواقع المجتمعي؛ بل أصبح بمثابة سرطان ينخر نظام الحياة بأسره، ويُعرقل كل الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي تستهدفها المشاريع السياسية للدولة والحركات الاجتماعية"، وهذا الواقع "يجعل الكثير من أفراد هاته المجتمعات العربية، أفرادًا وجماعات، يشعرون بالحرمان غالبًا، والمهانة والذل أحيانًا؛ فضلًا عما تتعرض له فئات عريضة من المخاطر الأمنية والسياسية الناجمة عن غياب الديمقراطية، وجراء الصراعات والحروب وعدم استقرار "دولة المواطنة" في عدد من بلدان المنطقة العربية".
هل الهجرة غير النظامية هي الحلّ؟
ويستطرد حيتومي بالقول: "في ظل هذا الوضع المتأزم للمجتمع والدولة في الوطن العربي، تبدو الهجرة حلًا يحظى بالأولوية والأهمية لدى شعوب الأمّة؛ ولو تطلّب الأمر، في أوساط الشباب والكهول والأطفال المرافَقين، المخاطرة بالحياة؛ حرقًا لأوراق الهوية (وهو ما يسميه الكثيرون "لحريكَ")، غرقًا في المتوسط، وموتًا مجهولًا، أو قتلًا على أعتاب حدود الدول المتقدّمة".
وإذ لفت إلى أنّه "في زمن تراجيديا الهجرة، يجب أن لا نغفل عن المسؤولية التي تتحملها الدول الغربية في هذه الظاهرة عبر تورّطها في الصراعات بالمنطقة العربية وإمعانها في تقويض فرص النهوض بها"، لكن ولفهم إصرار الشباب العربي على الهجرة السرية، والمغامرة بحياتهم لأجلها، يرى حيتومي أنّه "علينا الانتباه إلى أهمية الوقت والزمن في حياة كل إنسان، وبالخصوص الشباب؛ الشيء الذي يجعلهم يندفعون نحو الهجرة غير النظامية والمحفوفة بالمخاطر لمحاولة تأمين ظروف أفضل لمستقبلهم بالنظر إلى ضعف مستويات وبدائل التنمية بالدول العربية، ولذلك قد يقبل المخاطرة بالحياة والمغامرة بكل الرساميل الثقافية والاجتماعية بالمهجر لكونه لن يقبل باستدامة حياة الذل والمهانة واللا تنمية في الوطن".
(خاص "عروبة 22")