اقتصاد ومال

كلفة "اللامغرب العربي الكبير"

حلّت في 17 فبراير/شباط الجاري، ذكرى إنشاء اتحاد المغرب العربي الكبير، لتفسح في المجال من جديد، للتساؤل في أسباب الإخفاق وسُبل الإحياء.

كلفة

الواقع أنّ إقامة الاتحاد بين المغرب والجزائر وتونس، وتوسعته فيما بعد ليشمل ليبيا وموريتانيا، إنّما تأتت من حقائق الجغرافيا والمشترك التاريخي، ثم من حقيقة وحدة اللغة والدين والثقافة والهوية الجامعة.

وتأتت أيضًا من الوعي بضرورة التكتل، إذا لم يكن لمواجهة التكتلات الجغرافية الكبرى، فعلى الأقل لتثمين المقوّمات المتوافرة وصهرها في منظومة موحدة، يكون خيطها الناظم الدفع بمصادر قوة كل بلد، وتوجيهها بجهة تحسين شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب البلدان الخمسة.

كل مقومات التكامل كانت قائمة، من ثروات معدنية وفلاحية وحيوانية وبشرية، ومن سوق استهلاكية معتبرة، من شأن تثمينها الرفع من مستويات اقتصادات السلم، ومن سبل الاندماجات الصناعية والتجارية والخدماتية وما سواها.

الوضعية القائمة تضيّع على الاقتصادات المغاربية ما نسبته 3 إلى 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام

بيد أنّ حصيلة أكثر من عقدين، لم تكن بحجم الطموحات المرسومة، ولا بمستوى ما تم الرهان عليه ببداية التجربة:

- فالعلاقات بين المغرب والجزائر مجمّدة منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، بسبب قضية الصحراء ومعاكسة الجزائر للطروحات المغربية، بما فيها طرح الحكم الذاتي الذي توافقت العديد من بلدان الأمم المتحدة على نجاعته ومصداقيته.

- والعلاقات بين المغرب وتونس متوترة ومعلّقة، حتى وإن لم تصل لمستوى القطيعة الشاملة وإغلاق الحدود، كما الحال بين المغرب والجزائر.

- والعلاقات المغربية / الموريتانية تعرف حالات مد وجزر، حتى وإن اختارت موريتانيا موقف الحياد العلني من ملف الصحراء.

- أمّا ليبيا، فتعرف حالة من عدم الاستقرار المستدام، لا يساعدها على التفكير في واقع الاتحاد، فما بالك الإسهام في بعثه من رماده.

- والتحالفات الخارجية للدول الأعضاء متباينة لدرجة التناقض، لم يزدها تطبيع المغرب مع إسرائيل إلا احتقانًا وتعقيدًا، لا سيما في ظل تجريم تونس لذات التطبيع، وتحريم الجزائر له ضمنًا وعلانيةً.

كل هذه العناصر تضيّع على الاقتصادات المغاربية ما نسبته 3 إلى 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يسهم في إهدار مقدرات ضخمة، ويؤدي إلى توقف شبه كامل للمبادلات التجارية والمالية والسياحية والخدماتية وتنقل اليد العاملة وترهل إمكانات التنسيق البينية فيما بين القطاعات الإنتاجية الكبرى، إذ لا تتجاوز التجارة البينية للبلدان الخمسة 2 بالمائة من مجموع معاملاتها التجارية الخارجية.

ولعلّ من مظاهر شلل الاتحاد إيّاه، الحرب الإعلامية المستعرة بين المغرب والجزائر، وتسابق البلدين لاقتناء المزيد من الأسلحة، في ظل احتقان شعبي بلغ مداه في تصفيات كأس أفريقيا الأخيرة، عندما تشفى الطرفان في بعضهما البعض، وذهابهما حد مساندة فريق غريم على فريق البلد الجار.

فكرة الاتحاد متجذّرة في نفوس الشعوب

ثمة ترسبات عميقة لا يمكن للمرء أن يتجاوز عليها لفهم مآل الاتحاد، لا سيما بين المغرب والجزائر، قلبَيّ الاتحاد النابض ومحركه الأساس. ومؤدى هذه الترسبات أنّ ثمة "حرب زعامات" حقيقية بين الطرفين، في مَن تكون له الريادة في المنطقة. ولعلّ آخر أطوارها، إطلاق المغرب لمبادرة الأطلسي مع بلدان الساحل الأفريقي، ومبادرة الجزائر إلى إنشاء تحالف للتبادل الحر مع البلدان نفسها تقريبًا، لتنضاف إلى حرب الزعامات، حرب المواقع والتموقعات.

من المفارقات الغريبة حقًا أن تستحضر الذرائع للتبرم عن وثيقة مراكش للعام 1989، فيما لا يجد هؤلاء حرجًا لحضور أطر إقليمية أجنبية، مثل مجموعة "5 + 5" العربية/ الأوروبية، أو "الاتحاد من أجل المتوسط".

هل من سبيل لإحياء فكرة الاتحاد من جديد؟ بالتأكيد، لأنّها فكرة متجذّرة في نفوس الشعوب، حتى وإن تلبست بها غيوم الحكّام.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن