اقتصاد ومال

أزمة النفط العراقي بين زمنين استعماريين

محمد زاوي

المشاركة

عانى العراق وما زال يعاني اقتصاديًا واجتماعيًا، رغم قدراته وثرواته الوطنية، حتى إنّ للباحث المتتبّع أن يتساءل بخصوص هذه المفارقة العراقية: كيف تجتمع الثروة والفقر في بلدٍ واحدٍ؟ وكيف يشقى المواطن العراقي في بلدٍ زراعي ونفطي بامتياز، ناهيك عن باقي الثروات المعدنية من قبيل الفوسفاط والكبريت؟! كيف حال الاستعمار بين العراق وأسباب التقدّم والتنمية؟ كيف ضرب التدخل الأجنبي قيودًا على الخامات العراقية في مرحلتين من تاريخ "بلاد الرافدين"؟.

أزمة النفط العراقي بين زمنين استعماريين

هناك من يساوي في هذا المآل بين التجارب الوطنية التي عرفتها العراق، والاستعمار الذي سلب العراق ملكية النفط كمرحلة أولى، ليسلبه "ملكية الربح" فيما بعد، وذلك قبل أن يعود ليسلبه ملكية النفط في ثوب استعماري جديد، تتحالف فيه "الجيوش الإمبريالية" والتنظيمات الإرهابية.

حصلت أخطاء في تدبير هذه الثروة أو حمايتها غير السيطرة الاستعمارية على نفط العراقيين

هذه المساواة بين "الضحية" و"الجلاد" تبقى مساواة لا تاريخية، ولا تعكس الحقيقة الموضوعية في الاقتصاد السياسي والجيوبوليتيك.

لقد وجدت الحكومات الوطنية نفسها بين نارين: تحقيق الاستقلال والتنمية في الداخل من جهة، وتدبير تجارة النفط في السوق الدولية. ربما حصلت أخطاء في تدبير هذه الثروة أو حمايتها، وهذا غير السيطرة الاستعمارية على نفط العراقيين.

وِفق المذكور أعلاه، فإنّ النفط العراقي قد مرّ بأربع مراحل استعمارية:

- مرحلة أولى: سيطر فيها المستعمر وشركاته على كافة الثورة البترولية المكتشفة والتي هي في طور الاستكشاف، حيث كانت الشركة العراقية للنفط آنذاك في ملكية رأسمالات غربية، بريطانية وفرنسية وأمريكية وغيرها، ولم تعرف حدودًا لنشاطها إلّا بقرار اتخذته حكومة الجمهورية (1958)، بموجبه تم تحرير جزء من الملكية الوطنية لا كلّها.

- مرحلة ثانية: تميّزت بانسحاب بعض الشركات الأجنبية تاركة مكانها لأخرى محلية، وقد جاء ذلك نتيجة القرار السالف الذكر (قرار جمهورية 1958)، والذي بدأ بمنع التنقيب الأجنبي، وانتهى بإطلاق عمليات تنقيب وطني. إلّا أنّ الشروط السياسية آنذاك لم تكن كفيلة بتحرير كافة قدرات الملكية النفطية الوطنية، فبقي جزء منها تحت سيطرة الرأسمال الأجنبي إلى أن تحقّق الشرط السياسي للتأميم الكلي، أي منعطف "ثورة حزب البعث" عام 1968.

- مرحلة ثالثة: رغم إجلاء الوجود الاقتصادي الأجنبي وتعميم التأميم على الثروة النفطية، بقي النفط العراقي حبيس شروط اقتصادية - سياسية دولية:

فمن جهة، كان هذا النفط مرتهنًا للزبون الأجنبي، وبلغة اقتصادية، كان مرتهنًا للرأسمال الأجنبي حيث يتحدّد الطلب بحاجة هذا الرأسمال لا بحاجة المصدرين من دول الجنوب (الجزائر، العراق، دول الخليج وغيرها).

ومن جهة ثانية، بقي النفط العراقي حبيس سياسات دول الجنوب نفسها، ومنها بعض دول الجوار النفطية التي قد تتخذ سياسات مضرّة بالأرباح العراقية من النفط - ننصح هنا لمزيد من التفصيل بكتاب "رأسمالية الدولة الوطنية" لعصام خفاجي - وحيث كانت "دولة البعث" تسعى إلى التوفيق بين حاجتها إلى تأمين سياستها وحاجتها إلى تنمية اقتصادها، وجدت نفسها أمام تحدي التوفيق بين سياستها وسياسات أخرى أجنبية، إقليمية أو دولية.

- مرحلة رابعة: عاد فيها الاستعمار لبسط سيطرته على النفط في العراق، من خلال الغارة التي شنتها الإمبريالية الغربية على بغداد ابتداءً من عام 2003. وهو الغزو الرأسمالي الاستعماري الذي استفاد منه الاستعمار من جهتين، من جهة إجهاض مشروع تنموي عربي، ومن جهة وضع اليد على بترول العراق وباقي ثرواته.

القطاع يعاني من عدة مشاكل أبرزها تخلّف الصناعات النفطية والتنقيب والاستكشاف واستنزاف المخزون لمصلحة الأجنبي

لم تنتهِ هذه المرحلة إلى اليوم، حيث تجد الإمبريالية الغربية لوجودها منفذًا عبر القواعد العسكرية الإمبريالية والتنظيمات الإرهابية، ممّا عرّض الوحدة السياسية العراقية لخطر الطائفية والتجزئة، لينعكس هذا الواقع على الاقتصاد العراقي، بما فيه قطاع النفط الذي يعاني من عدة مشاكل لعلّ من أبرزها: تخلّف الصناعات النفطية، تخلّف التنقيب والاستكشاف، الهوة بين الثروة الخام والمطلوب اقتصاديًا وتنمويًا، استنزاف المخزون لمصلحة الأجنبي، تفويت فرص الاستثمار في الزمن الحالي، وهو زمنٌ نفطيٌ بامتياز.

بعد هذا العرض المختصر، نطرح سؤالًا مركبًّا نفصّل فيه مليًا في مقال لاحق: ما هو التخطيط الاقتصادي الكفيل بالخروج من أزمة النفط العراقي؟.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن