تقدير موقف

الأمن الغذائي.. وتداعياته على الإنسان العربي

يُعتبر الأمن الغذائي، من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي، حيث تتزايد الحاجة إلى توفير الغذاء لسكان المنطقة العربية، في ظل تزايد الأعداد السكانية والتغيرات المناخية وتأثيرها على الإنتاج الزراعي والحيواني، إذ شهد العالم في السنوات الأخيرة، وما يزال العديد من الأزمات بدءًا بجائحة كورونا ومرورًا بالتغيّرات المناخية العالمية ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، وتلك الازمات التي أثّرت على إمدادات الغذاء والطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة الأسمدة والأعلاف، أدت إلى الارتفاع الشديد في الأسعار العالمية لهذه المنتجات.

الأمن الغذائي.. وتداعياته على الإنسان العربي

أكد تقرير صدر عن كل من منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والإسكوا، أنّ مستويات الجوع وسوء التغذية، قد وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية، لا سيما بعد أن أعاقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية، وينظر التقرير نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية لعام 2022: التجارة كعامل تمكين للأمن الغذائي والتغذية، في حالة الأمن الغذائي الإقليمي، إذ إنّ ما يُقدّر بنحو 53.9 مليون شخص، عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55% منذ 2010، وزيادة قدرها 5 ملايين عن العام 2020.

التكامل الزراعي العربي يصبّ في مصالح كل الدول العربية

ومع أنّ المنطقة العربية، لم تكن على الطريق المطلوب، لتحقيق هدف التنمية المستدامة بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية، فإنّ جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، قد تسببتا في تفاقم الوضع من خلال خلق اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة، ونظرًا لأنّ المنطقة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأغذية المستوردة لتلبية متطلبات الأمن الغذائي، فقد أثّرت هذه الأحداث على الدول العربية أكثر من غيرها من الدول، وزادت من حدة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في المنطقة. وبالإضافة إلى هذه الأحداث العالمية، فإنّ عوامل أخرى مثل تغيّر المناخ والنزاعات والقضايا الهيكلية، مثل الفقر وانعدام المساواة، تزيد من عبء تحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية في المنطقة.

والجدير بالإشارة إلى وجوب أن يركّز واضعو السياسات على السياسات التي تُسهّل تجارة المواد الغذائية مثل تقليل الحواجز التجارية، وإنشاء مناطق جديدة للتجارة الحرّة، وتبني التقنيات الرقمية، وتقليل الحواجز غير الجمركية، وتنسيق الممارسات التنظيمية، وتعزيز الحوكمة، وتعزيز التعاون والتنسيق بين الدول والمجتمع الدولي، علمًا أنّ التجارة الدولية ليست مهمة فقط لتوفر الغذاء، ولكنها تلعب دورًا رئيسيًا أيضًا في تعزيز التكنولوجيا من خلال نقل المعرفة التي يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين فرص العمل وتنمية المداخيل.

إنّ توفّر الغذاء في الدول العربية، يُعد مؤشرًا من المؤشرات المهمّة في ظل أزمة الغذاء التي يمر بها العالم منذ جائحة كورونا، ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ يعتمد هذا المؤشر على مجموعة من القياسات الفرعية المهمة، مثل كفاية الإمدادات الغذائية وخطر انقطاع الإمدادات، وكذلك القدرة الوطنية على توزيع الأغذية، وأيضًا جهود البحث العلمي لتوسيع الإنتاج الزراعي والغذائي، ومن هنا وجدنا أهمية هذا المؤشر على المستوى العربي عامة، وكذلك الأوضاع التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا بخصوص تدفق الغذاء، فضلًا عن مساهمتها الكبيرة في ارتفاع أسعار الغذاء.

ووفق نتائج هذا المؤشر عام 2022، نجد أنّ هناك 5 دول هي الأقل أداءً في توفر الغذاء على الصعيد العربي، وهي: اليمن 27.5%، السودان 30.8%، سوريا 41.3%، الأردن 48.2%، المغرب 51.4%، بينما الدول الـ5 الأفضل في الأداء لهذا المؤشر هي: مصر 75.2%، السعودية 73%، قطر 70.7%، الكويت 68.3%، الإمارات 66.5%.

وبينما هناك دول عربية تفتقد المال للحصول على احتياجاتها المعتادة من الغذاء بسبب ارتفاع أسعاره، هناك دول أخرى لديها المال لكنها تعاني من مشكلات التوريد وسلاسل الإمداد، وكذلك تأخّر الجهود المبذولة للاستفادة من التراكم العلمي بالدول العربية للنهوض بالقطاعين الزراعي والغذائي، علمًا أنّ المنطقة العربية لم تكن أصلًا على الطريق الصحيح لتحقيق هدفَيّ التنمية المستدامة بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية.

الموارد الزراعية ليست متوازنة داخل كل دولة عربية في حين أنها متكاملة ومتوازنة في الوطن العربي

أسفر اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة الـ17 المرتبطة بها في عام 2015، عن تجديد الالتزام العالمي بخطة تحويلية ترمي إلى تحقيق تقدّم اقتصادي واجتماعي وبيئي، على نحو متكامل ومستدام قائم على الخصوصيات الإقليمية والمحلية، وفي صلب خطة التنمية الجديدة هذه تقع قضية الزراعة المستدامة والأمن الغذائي، التي تشكّل مصدر قلق كبيرًا للمنطقة العربية، لا سيما في ضوء أزمة الغذاء.

وتواجه المنطقة العربية تحديات عديدة تشمل: ندرة الموارد الطبيعية وتناقصها؛ وتنامي الطلب إذ يتزايد عدد السكان الأثرياء، وأزمات اجتماعية وسياسية مديدة، تشمل حروبًا واحتلالات يتوقع أن تتواتر ويتفاقم أثرها مع تغيّر المناخ. وتكمن في هذه التحديات قضايا، كتزايد أوجه اللامساواة، والهجرة بسبب العوز، وسوء إدارة الموارد وممارسات الهدر، وجميعها يعوق تحقيق الاستدامة عمومًا والأمن الغذائي خصوصًا.

إنّ التكامل الزراعي العربي يصب في مصالح كل الدول العربية، ولقد أظهرت الازمات العالمية الحالية، أنّ الأموال ليست بديلًا عن الغذاء، وتقدّر الفجوة الغذائية العربية بـ43.8 مليار دولار سنويًا (عام 2020) وفقًا لبيانات التقرير الإقتصادي العربي الموحّد (2023) عن منتجات الحبوب واللحوم والزيوت والألبان، ومن خلال التكامل الزراعي العربي، يمكن للدول العربية أن تصبح مكتفية ذاتيًا بل مصدّرة للغذاء، لأنّ الموارد الزراعية من أرض ومياه وقوى بشرية ورأس مال وتكنولوجيا وإدارة، ليست متوازنة داخل كل دولة عربية على حدة، في حين أنها متكاملة ومتوازنة في الوطن العربي، حيث أنّ التكامل الزراعي العربي، من خلال وضع الخطط الزراعية وفقًا للمزايا النسبية وإقامة المشروعات الزراعية العربية البينية، في إطار منطقة التجارة الحرّة العربية، يمكن أن يحقّق الأمن الغذائي العربي، وينعكس إيجابيًا على الإنسان العربي.

المنطقة ستظل تعتمد في تلبية احتياجاتها اعتمادًا كبيرًا على واردات الأغذية ما قد يثير تحديات متزايدة

كما أنّ التجارة الدولية ليست مهمة فقط لتوفر الغذاء، ولكنها تلعب دورًا رئيسيًا أيضًا في تعزيز التكنولوجيا من خلال نقل المعرفة التي يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين فرص العمل، والدعوة للاستفادة من التجارة البينية والاعتماد بشكل أكبر على قدرات بعضها البعض، حيث تساعد التجارة الإقليمية على الحد من نقص الغذاء خلال دورات الإنتاج الزراعي العادية وتوفر آلية مهمة لمعالجة نقص الإنتاج أو اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الآثار السلبية وغير المتوقعة للأحداث العالمية.

وعلى الرغم من هذه الجهود الجديرة بالثناء، لا يزال الأمن الغذائي مصدر قلق مستقبليًا كبيرًا في المنطقة. فلا تزال الإنتاجية المادية والاقتصادية للموارد الطبيعية منخفضة نسبيًا، ولا تزال المنطقة تتأثّر إلى حد كبير بتقلّبات أسواق الأغذية العالمية، وتشير التوقعات البديلة لآفاق عام2030 ، والقائمة على سيناريوهات وافتراضات منطقية، إلى مستقبل أفضل بعض الشيء للإنتاج المحلي، لكن المنطقة ستظل تعتمد في تلبية احتياجاتها اعتمادًا كبيرًا على واردات الأغذية، ما قد يثير تحديات متزايدة لأقل دول المنطقة نموًا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن