إضافة إلى قوات عشر دول عربية وقفت على خط النار، وضع اليمن بجناحيه الجنوبي والشمالي وقتها، كامل شواطئه تحت تصرف البحرية المصرية؛ وقبل ساعة الصفر، تحرك الفريق بحري مصري فؤاد ذكري بثلاث قطع إلى مضيق باب المندب، فلم تجرؤ سفينة عسكرية إسرائيلية على عبوره طوال مدة إغلاقه.
بعض القوات العربية حضرت قبل العبور بسنوات، وتولت مهام لوجستية وتأمينية على جبهة قناة السويس خاصة، ما مكن الجيش المصري من التركيز على صد اعتداءات إسرائيل واستنزافها، والإعداد لمعركة إزالة آثار العدوان.
لا يعرف الكثير، خاصة من الأجيال الجديدة، أن جنود وضباط من دول عربية سالت دماؤهم لتخضب رمال سيناء والجولان، وبعضهم دفن فيها لتظل جثامينهم شهادة على وحدة العرب في مواجهة العدو المغتصب.
رغم أنّ مساهمة الدم العربية لم تُعلن بعد كل تفاصيلها؛ غير أنّ شهادات لشخصيات مصرية وعربية شاركت في المعركة، غطت قطاع وازن من المعلومات، وذهبت تقديرات هؤلاء وبعض الوثائق التي كشف عنها النقاب إلى أنّ الشهداء العرب خلال تلك الحرب بلغ ٨٥٢٨ شهيدًا، غالبيتهم الساحقة من مصر وسوريا.
اللواء إبراهيم شكيب، رئيس عمليات منطقة البحر الأحمر خلال الحرب، قدّر عدد المشاركين العرب في عبور قناة السويس بما بين 8 - 10 آلاف مقاتل، وهو الرقم الذي تكرر في تصريحات قادة وتقارير مراسلين حربيين نشرت بوسائل إعلام عربية وكتب، أبرزها مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري إبان الحرب.
وتفاوتت نوعية وأحجام المشاركات العربية، كالتالي:
المغرب
أرسل المغرب إلى مصر لواء مشاة، شارك في التراشق المدفعي حول القناة ودخل ضمن تخطيط الخطة "شامل" للقضاء على الثغرة، تحت قيادة الفرقة الرابعة المدرعة بقطاع الجيش الثالث؛ وعلى الجبهة السورية أرسل لواء مشاة ميكانيكي باسم "التجريدة المغربية"، قاتل في الجولان جنبًا إلى جنب القوات السورية.
الجزائر
اقتصرت مساهمتها على محور القناة؛ وذلك بلواء مشاة أرسلته عقب يونيو/حزيران عام 1967، ثم سُحبت عناصره بعد خلافات سياسية، تاركة معداته الثقيلة للجيش المصري، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1972، وبعد تدخل الفريق الشاذلي، أرسلت الجزائر 24 مدفع ميدان.
ومع بدء المعركة تتالت ثلاثة أسراب جوية، أولها سوخوي 7 قاذفة، وصل بعد اندلاع القتال بـ4 أيام إلى قاعدة بير عريضة الجوية، ولم تسمح حالته الفنية السيئة بالمشاركة القتالية، سوى بطائرتين؛ يضاف إليه سرب (ميج 17)، وصل يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول؛ وثان (ميج 21)، وصل 12 أكتوبر؛ تمركزا في قاعدة جناكليس ولم يشاركا؛ فضلًا عن لواء مدرع، وصل 17 أكتوبر/تشرين الأول وشارك في اشتباكات مدفعية ضمن الخطة "شامل".
قاد اللواء الجزائري المدرع عبد المالك قنايزية - وزير الدفاع لاحقًا حتى سبتمبر/أيلول 2013-، ووثق خطاب رسمي مصري تسلمته "الجمعية الوطنية لقدماء المحاربين" الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، استشهاد 39 جزائريًا بحرب الاستنزاف و20 في معارك أكتوبر/تشرين الأول، منهم ثلاثة طيارين.
تونس
شاركت بكتيبة مشاة، بقيادة اللواء ورئيس الأركان، لاحقًا، عبد العزيز سكيك، وصلت قرب نهاية الحرب ودخلت ضمن الخطة "شامل"؛ واستشهد سكيك في تحطم هليكوبتر عسكرية في يناير/كانون الثاني عام 2002، مع 13 من أركان الجيش التونسي.
ليبيا
ارتبطت مشاركتها بتقلبات العقيد القذافي؛ الذي أرسل إلى مصر سرب "ميراج 5"، منتصف الحرب، تمركز في قاعدة جناكليس، لكن ضعف قدرات طياريه منعت اشتراكهم حفاظًا على سلامتهم؛ وسرب مماثل قاده مصريون من قاعدة طنطا، ويوم 9 أكتوبر/تشرين الأول وصل طيارون ليبيون لسحبه، غضبًا من القذاقي لعدم إبلاغه بساعة الصفر، ورفضت القيادة المصرية تسليمه؛ وقرب انتهاء الحرب وصل لواء مدرع دخل ضمن الخطة "شامل"، كان منه الفريق وقائد الجيش الوطني الليبي الحالي خليفة حفتر.
السودان
شارك بلواء مشاة وصل عقب هزيمة 1967، سُحبت إحدى كتائبه مع محاولة انقلاب هاشم العطا على الرئيس الراحل جعفر النميري في يوليو/تموز 1971، لحماية الخرطوم؛ ثم عادت للجبهة، في أغسطس/آب 1972؛ كان ضمنه الرئيس السابق، لاحقًا، عمر البشير.
العراق
أرسل سرب "هوكر هنتر 29" من 20 طائرة مقاتلة، ووصل مصر في مارس/آذار 1973. وفق شهادة مطوّلة للواء الطيار الركن ناجي سالم؛ التي وثقت تجربة مقاتلي السرب العراقي، منها علاقات إنسانية ربطتهم بأقرانهم المصريين وأسرهم وأولادهم؛ ويوميات مشاركتهم في المعارك، من الضربة الأولى.
ضمت القوة 19 طيارًا، وسبعة ضباط من تخصصات فنية متنوعة، ونواب ضباط وضباط صف ورتب فنية؛ استشهد أربعة منهم وأُسر ثلاثة أعيدوا على دفعات، وأصيب قائدهم، وخسرت القوة ثماني طائرات.
في مذكراته، أشاد الفريق الشاذلي بالسرب العراقى: "كان أداؤهم رائعًا، وحازوا ثقة وحداتنا البرية، كانت تشكيلاتنا البرية عندما تطلب معاونة جوية ترفق طلبها بـ"نريد السرب العراقي" أو "نريد سرب الهوكر هنتر". ومع احتدام القتال، أرسلت بغداد فرقتين مدرعة ومشاة، وصلتا 11 أكتوبر/تشرين الأول، ووضعتا ضمن الخطة "شامل".
وبسبب خلافات فرعي "البعث" التاريخية، في 11 رمضان، وسطت بغداد القاهرة لإبلاغ دمشق وضع مطاراتها تحت تصرف سلاح الجو السوري، ودخل العراق رسميًا الحرب.
ويشهد الشاذلي بـ"إسهام العراق بفعالية على الجبهة السورية": بدأ بأربعة أسراب جوية، وفرقة مدرعة، وفرقة مشاة، فكانت قواته الثالثة بعد مصر وسوريا كمًا وكيفًا"، مضيفًا: "اشترك أول سربين فى القتال يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، والعناصر المتقدمة البرية وصلت الجبهة يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1973.. ولو أنّ القوات العراقية تمركزت في سوريا قبل بدء القتال، لتغيّرت نتائجه على الجبهة الشرقية".
ولعبت القوات العراقية دورًا حاسمًا، مع أخرى أردنية تحت قيادتها، في إيقاف هجوم مضاد، خلال الأيام الأخيرة من الحرب، استهدف دمشق. واحتصنت مقابر منطقة السيدة زينب، جنوب دمشق، 323 شهيدًا عراقيًا؛ مع خسارة 137 دبابة وناقلة مدرعة و26 طائرة.
الأردن
شارك على الجبهة السورية بـ "لوائين مدرعين"، وكتيبة مدفعية، وسرية مهام خاصة، وصلت بعد اندلاع القتال بـ8 أيام، وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، وتحت قيادة عراقية، اشتبكت مع اللواء 40 المدرع الإسرائيلي وأجبرته على التراجع عشرة كيلومترات.
الكويت
تواجدت قواتها بجبهة القناة منذ 4 يونيو/حزيران 1967، وتحمل جيشها، المكون من لواء اليرموك، الهزيمة، وشارك في حرب الاستنزاف؛ التي جُرح فيها الشهيد فهد الأحمد الصباح. ومن بين ثماني طائرات -كامل سلاح الجو حينها- أرسلت الكويت خمس طائرات مع طائرتي نقل "سي-130 هيركوليز" تحمل الذخيرة وقطع الغيار، هبطت بقاعدة قويسنا مساء 23 أكتوبر/تشرين الأول.
ووهب لواء اليرموك الكويتي تراب مصر 24 شهيدًا في حرب الإستنزاف، و18 بمعارك أكتوبر.. كلهم بمواجهة الثغرة؛ واستقبلت مقابر الجيشين، الثاني بالإسماعيلية، والثالث بالسويس، جثامين غالبيتهم. وعناصر اللواء كانت، مع الفلسطينيين، أول من رصد الثغرة.
الجزء الثاني من الجيش الكويتي تكوّن قبل الحرب، وانضم للجبهة السورية باسم لواء الجهراء، 15 أكتوبر/تشرين الأول؛ وتتابعت عناصره في الوصول لسوريا بين 15 و20 أكتوبر/تشرين الأول؛ وكلفت بحماية دمشق، ثم ألحقت بالفرقة الثالثة، شمال هضبة الجولان؛ وعادت لبلدها في 25 سبتمبر/أيلول 1974 بوداع عسكري في دمشق.
السعودية
مع تفجّر القتال، تمركز على الجبهة الأردنية لواء مدرع سعودي، وانطلق جسر جوي نحو الجولان لنقل قطاعات عسكرية متنوعة بأسلحتها، من الطيران للخدمات الطبية والإدارية؛ منها لواء الملك عبد العزيز الميكانيكي بأفواجه الثلاثة (مدرعات بانهارد وناقلات جنود، مدفعية ميدان، فوج مظلات؛ وسرية مدفعية مضادة للطائرات ومثلها هاون).
والسعوديون شاركوا في معارك "تل مرعي" يومي 20 و21 أكتوبر/تشرين الأول، وصمدوا رغم القصف الإسرائيلي العنيف والمكثف. لتغادر قواتهم إلى الرياض عام 1976 بوداع رسمي وشعبي سوريين، وسبقتها جثامين 59 شهيدًا.
فلسطين
أقر مؤتمر القمة العربي بالإسكندرية، في سبتمبر/أيلول 1964، تكوين جيش التحرير الفلسطيني، وتوزعت قواته بين مصر والعراق وسوريا، وكانت قيادته بالقاهرة. ويتذكر كبار السن من المصريين لافتة مقر الجيش بحي مصر الجديدة القاهري حتى عام 1976، حين نقلت قوات جناحه المصري إلى بيروت.
وعلى الجبهة المصري كان لواء عين جالوت الذي ضم ثلاث كتائب مشاة فلسطينية ومثلها مدفعية، تمركزت بعد 5 يونيو/حزيران غرب القناة. ومع العبور، أُسندت له واجبات قتالية جنوبي الدفرسوار، وبعد أن عبر الجيش الثالث بقي خلفه، رفقة القوات الكويتية، مكلفًا بمهام دفاعية، واشتركا في رصد بدايات الثغرة. وسقط من اللواء 30 شهيدًا و70 جريحًا وعدد آخر فُقد، كما شاركت وحدات من المتطوعين الفلسطينيين والضفادع البشرية لـ"فتح"، سقط منها 18 شهيدًا ومفقودًا.
وعلى جبهة سوريا، تواجدت خمس كتائب، أنيط ببعضها الدفاع عن مواقع أرضية واحتلال المواقع المُسيطرة والحساسة فيها وصد قوات العدو. وكُلفت أخرى بمهام استطلاع والعمل خلف خطوط العدو، كقوة مظلات، وسقط منها 46 شهيدًا ومفقودًا، وجُرح 65، وأُسر خمسة.
توحيد الصف هو خط الدفاع الأول
استعادة روابط الدم العربية في هذا التوقيت، ليس من باب التقليب في صفحات التاريخ وأرشيف الصراع، بقدر ما هي محاولة لنفض التراب الذي حاول البعض إهالته على ما بيننا من روابط، ومن باب تذكير الأجيال العربية أنّ توحيد الصف العربي هو خط الدفاع الأول عن كرامة هذه الأمّة التي لا تزال تصارع عدوها الصهيوني وأعوانه من تحالف الاستعمار، وتبحث عن مكان لها تحت شمس المستقبل.
(خاص "عروبة 22")