قضايا العرب

"التمييز الجنساني" بين أبناء الأُسر العربية في أوروبا

باريس - مزن مرشد

المشاركة

أود أن أنوّه أولًا وقبل أي شيء، بأنني لا أشجع أبدًا على نسيان عداتنا وتقاليدنا، ولا أقصد أن نترك ما تربينا عليه من أجل أي شيء، ولا أقصد بأن يكون الاندماج في دولنا الجديدة بأخذ قشور الحياة الأوروبية وننسى الجوهر، فالاندماج بالنسبة لي هو تعلّمنا لغة هذه البلاد، العمل، النهل من مناهل علمها، وتقدمها التكنولوجي والصناعي والعلمي، هذا فقط الاندماج الحقيقي الذي أفهمُه وأشجّع عليه.

يؤكد "أبو محمود" أنّ انتقاله من مدينته الأولى إلى هذا المكان بالذات، كان من أجل بناته، في حين يعيش ولداه مع نساء فرنسيات في بيوت مستقلة -بدون زواج- بعيدًا عنه!.

"أبو محمود" المقيم في فرنسا منذ ثماني سنوات تقريبًا، مقتنع تمامًا بأنه فعل الصواب بالانتقال إلى مدينة شهيرة بوجود جالية عربية كبيرة فيها.

وبالرغم من أنه سكن في منزل السكن الشعبي المعروف هنا باسم "HLM" إلا أنه اشترط أن يكون المسكن في حيّ معيّن غالبية ساكنيه من طيف واحد، ويرفض أن يخرجن بناته للعمل إلا بعد أن يتزوجن، ويشترط أن يدفع العريس المنتظر مبلغًا مرقومًا كمهر مقبوض لبناته، ويبرر ذلك بأنه ربى بناته أحسن تربية.

"أبو محمود" ليس حالة فردية أو غريبة بل يمثل شريحة كبيرة تشبهه بالتفكير ممن يعيشون هنا، سواء من اللاجئين الجدد أو المهاجرين الأقدم.

وتبرّر "أم سليم" عدم سماحها لبناتها بدخول الجامعة وتكملة تحصيلهن العلمي، بخوفها عليهن من الاختلاط، رعبًا من كلام الناس، وتقول لـ"عروبة 22": "عندما وصلنا إلى فرنسا ضمن برنامج إعادة التوطين، اتصل بي شقيق زوجي المتوفي من سوريا وقال لي بالحرف، إنه إذا سمع أي شيء مخل بحق بنات أخيه لن يمنعه شيء من القدوم إلينا وغسل عاره بيده، وأنا لا أريد أن تتلطخ سمعة بناتي بأي شيء مهما كان بسيطًا فالسمعة أهم من العلم ومن الجامعات ومن العمل، وما حاجتهن للعلم أو العمل إذا كانت الدولة تدفع لهن المساعدات الاجتماعية والتأمين الصحي ونعيش في منزل محترم تدفع لنا الدولة 70% من إيجاره".

ويعيش ابن "أم سليم" الوحيد مع صديقته الفرنسية- بدون زواج - ولا مشكلة لديها بذلك لكنها تمنع بناتها من أي خروج من المنزل إلا برفقتها.

توجهت إلى "أم سليم" و"أبو محمود" بالسؤال ذاته: كيف تسمحون لأولادكم الذكور بإتمام تعليمهم، والعمل والاندماج الكامل بالمجتمع الفرنسي لدرجة المساكنة مع فتيات، والسكن وحدهم باستقلال بعيدًا عن العائلة، في حين تمنعون بناتكم حتى من الخروج من المنزل؟.

ولم أستغرب إجاباتهم أبدًا.. "أم سليم" قالت بأنها لا تمون على ابنها "فهو رجل وكلمته بتمشي" عليها وعلى أخواته ولا تستطيع أن تتدخّل في حياته.

أما "أبو محمود" فاستغرب من السؤال ليؤكد أنّ "الذكور أحرار فيما يعملون، وهُم أدرى بمصالحهم، أما البنات فهنّ ضلع قاصر وسهل اللعب بعقولهن.. وبكلمتين حلوين نخسر تربايتنا لهن".

نار المخيم ولا جنّة أوروبا

استوقفتني قصة الحاج محمد (لم يوافق على ذكر كنيته) فالرجل رفض التوطين في إحدى الدول الأوروبية بالرغم من أنه يعيش حياة صعبة في أحد المخيمات في دول جوار سوريا، وبصوت فيه الكثير من الصدق والحزن معًا يقول لي وهو على أمل أن أوصل صوته للأمم المتحدة، بالرغم من أني أوضحتُ له بأنني أتحدث معه بهدف تقرير صحفي، لكنه ألحّ عليّ أن أحاول إيصال صوته لأنّ مكتب الأمم المتحدة في المخيم الذي يقطنه لم يعد يستمع له بعد أن رفض التوطين.

قال الحاج محمد: "تهجّرنا من سوريا على أمل العودة، وطال بنا المقام بدون أي أمل, ومثلي مثل كل السوريين سجّلنا بالأمم المتحدة من أجل المساعدات لكنني تفاجأت بعد فترة بقبول توطين عائلتي في إحدى الدول الأوروبية"، وأضاف: "لدي أربع بنات وصبيان اثنان، وأولادي ما زالوا صغارًا، أكبرهم يبلغ 16 سنة، كيف يريدون مني أن أربي بناتي بدولة أهلها لا يمانعون أن تعيش ابنتهم مع رجل غريب وتنجب منه وهم راضون ولا يتدخلون؟ لو كان لدي ذكور فقط لما كنتُ تأخرتُ عن قبول التوطين لحظة واحدة، فطلبتُ من الأمم المتحدة أن تعيد توطيني بدولة إسلامية مثل ماليزيا مثلًا لكنهم قالوا لي بأنّ ماليزيا والدول العربية كلها لا تدخل ضمن الدول التي تمنح توطينًا أو حق اللجوء لنا، وأنا أناشدكم أن تساعدوني بإيجاد حل بأن أصل إلى دولة عربية، أما أن يكون الخيار فقط بين المخيم وبين أوروبا فوالله أفضّل جحيم المخيّم على جنة أوروبا".

 للأسف، تنحصر أفكار البعض بالمساواة بالتعامل بين بناتهم وأولادهم، بقضية واحدة، ألا وهي ممارسة العلاقة الحميمة خارج نطاق الزواج، ولا يرون ما تقدمه هذه البلاد من فرص وإمكانات للعمل، للدراسة، للإبداع، للتميّز، للجميع دون أي تمييز سواء جندري أو عرقي أو ديني، ولا حتى مبني على حامل جنسية البلاد أم لا، فالمقيم في معظم الدول الأوروبية له كامل حقوق المواطن عدا حق التصويت في الانتخابات، ومع ذلك تبقى فكرة المساواة سجينة قضبان وَهْم حرية العلاقات.

الناشطة النسوية رويدة كنعان تعلّق لـ"عروبة 22" على هذا الموضوع فتقول: "قضية الحفاظ على العادات والتقاليد والتعاليم الدينية سواء إسلامية أو غير ذلك، تعبّر بالدرجة الأولى عن تمسّك الأفراد والأسر بهويتهم، وبالطبع أمر مهم للغاية للإنسان إحساسه بهويته وضرورة الحفاظ عليها، لكن تعبيرهم عن التمسّك بهذه الهوية ينحصر بمحاصرة بناتهن!".

وعن ربط قضية المساواة بين الجنسين بالنظرة القاصرة، تقول رويدة: "للأسف في معظم بيئتنا العربية، تُعتبر علاقات الشاب قبل الزواج، وتعدد العلاقات بل وكثرتها أحيانًا، مدعاة للفخر وللفحولة أيضًا، وبالطبع هي عار للفتاة ولأهلها ولأخيها – ذاته متعدد العلاقات - وهذه القضية لا بدّ من العمل على تغيّر بنية تفكير الأسرة العربية، خارج نطاق قفص العلاقات والالتفات لحقوق بناتهن بالعلم والعمل واختيار الشريك وما إلى ذلك، ويكون العمل على مستويين، الأول على مستوى المنظّمات التي تعمل مع اللاجئين وثم القوانين، فالقانون يجب أن يكون أكثر حسمًا حتى لو طالته الانتقادات مثل ما حصل في السويد مثلًا، لكن المهم أن يترافق القانون مع تدقيق ورقابة على مسألة إلزامية تعليم الفتيات تحديدًا".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن