إحياء فكرة أنّ كمال أتاتورك يحل محل رجب طيب أردوغان في قلوب الأتراك بعد عشرين عامًا، أو بتعبير أدق، أنّ حزبه، حزب الشعب الجمهوري، الذي يعود للظهور بعد سنوات عديدة من النسيان في انتخابات بلدية أجريت أخيرًا ويفوز فيها على حزب العدالة والتنمية الحاكم بفارق نقطتين تقريبًا، فكرة تحمل مجازات موحية، بأنّ أحدًا لا يلغي أحدًا في السياسة والدين والأيديولوجيات والأفكار.
اللافت، أنّ الحزب الكمالي لم يحصل على 25% من الأصوات طوال عقدين من الزمن، سواء خلال الانتخابات المحلية أو البرلمانية، ومن المؤكد أنّ المركز الثاني الذي حصل عليه كمال كيليتشدار أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري الكمالي خلال الانتخابات الرئاسية في العام الماضي بنسبة 48% تقريبًا من الأصوات، كان بمثابة إعلان عن طريق للتجديد في تركيا.
كان لوسائل الإعلام الحديثة دور مهم في التأثير على أصوات الناخبين الشباب
ما عاد هناك مجال كبير للشكول في مسار العملية الديمقراطية التي تجري في المدن التركية الحديثة مع حجم المشاركة الواسعة، لا سيما حين لا تمس جوهر التوازن في المجتمع، ولا تعريفه الأساسي واحدًا من المجتمعات الإسلاموية الحداثية.
النظام السياسي، الذي يقيم العلاقات بين الناس يشير إلى المساواة السياسية. هذا نموذج مهم داخل النسق "شبه الليبرالي" في الدفاع عن حرية الاقتراع والتصويت والولوج النهائي إلى عالم الأفراد والجماعات والإقرار بالنتائج وسط حيوية النقاشات من الداخل والخارج.
صورة تشكّل قطيعة مع النظرة التقليدية للجسم السياسي التركي. إذ لا يمكن التفكير بالمساواة السياسية بعد عقود من الطاعة السكونية لسلطات استحواذية، ونحو التأسيس الاجتماعي لتطوّر في مفاهيم العقيدة، ولمرحلة سياسية جديدة في تركيا سترافق أردوغان في ولايته الأخيرة. عبور سياسي مرن/سلس في مدار الذكرى المئوية لاعلان الجمهورية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 1923، ومع صعود القومية كظاهرة اجتماعية – تاريخية لها دلالات ومفاعيل سياسية واجتماعية واقتصادية.
ما يبعث شعورًا بالارتياح، هذا التوازن الدقيق مع الإسلام السياسي في صعوده إلى السلطة منذ منتصف التسعينات على مستوى الدولة والمجتمع، وما يرتبط به من تنظير سياسي.
مرحلة، قد يُنظر إليها بأنها تحرك جدي للإسلام السياسي، فيما ينظر لها آخرون على أنها عثمانية جديدة. هذا لا يلغي تحديات المرحلة الانتقالية في وقت يعاني الاقتصاد التركي من التضخم وعدم الاستقرار، وتستضيف تركيا لاجئيين سوريين أكثر من أي دولة أخرى، لكنها نجحت أخيرًا في إدماجهم في نسيجها القطاعي/الإنتاجي، وما عادت معنيّة حتى بعودتهم إلى سوريا مع تبدد عناصر من المخاوف الأمنية، التي يشعر بها الشباب التركي.
"ربيع تركي" ناجح بخلاف "الربيع العربي" الذي لم يحترم التمثّلاث الإجتماعية والأقلوية
الأهم صورة الشباب التركي الذي يظهر سحره وديناميته في المدن الكبرى. يحكم بقبضته السياسية والنفسية والمالية، ومن خلال إدارته الحديثة لوسائل إعلام تنافس كبرى الشبكات الإعلامية الغربية.
كان لوسائل الإعلام الحديثة، لا سيما "يوتيوب" منها، دور مهم في التأثير على أصوات الناخبين الشباب، الذين لم يدلوا بأصواتهم، استخدمها مرشحو المعارضة لجذب إنتباه 23 مليون مشاهدة/مقارنة مع عدد سكان تركيا البالغ 85 مليون نسمة.
يرى مراقبون أنّ الناخبين كان لديهم فرصة مختارة/حقيقية لإجراء انتخابات ديمقراطية، توافرت لها الإرادة، والشخصية السياسية المناسبة، والمجتمع المدني، وأعادت إدماج الشعب في قلب عملية سياسية واضحة المعالم. قد تفي بالمبادئ الأساسية لربيع تركي مقبل، ناجح بخلاف "الربيع العربي"، الذي لم يحترم التمثّلاث الإجتماعية والأقلوية، وقاد العوالم إلى صدامات.
(خاص "عروبة 22")