قضايا العرب

"دائرة النار" الإيرانية الإسرائيلية: تداعيات تغيير معادلة الصراع!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

فرض الهجوم الإيراني الذي استهداف الداخل الإسرائيلي مساء السبت الماضي عددًا من التساؤلات على مشهد الشرق الأوسط الذي ما تلبث أن تهدأ النار في إحدى بقاعه حتى تعاود الاشتعال في بقعة أخرى.

اعتُبر الهجوم الذي وجهت فيه طهران بشكل مباشر، وليس من خلال وكلاء، المئات من الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو مدن الكيان الصهيوني تطورًا نوعيًا تجاوز المعادلة التي حكمت الإقليم خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهو ما يُنذر بتداعيات كبيرة.

وفقًا لتقديرات إسرائيلية وأمريكية، أطلقت إيران 185 طائرة مسيّرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض-أرض، استهدفت بها أهدافًا عسكرية بحسب تصريحات رسمية إيرانية.

أبرز التساؤلات المطروحة حاليًا باتت تتمثّل في طبيعة المعادلة الجديدة وارتدادت ما جرى على المنطقة وملفاتها الملتهبة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.

الدكتور محمد عفان، المحاضر بقسم العلوم السياسية بجامعة ابن خلدون في اسطنبول، يرى أنّ الهجوم الإيراني حمل "تطوّرين جديدين" على المشهد، أولهما؛ أنه يُعد "أول تبادل للنيران بين دولتين في الشرق الأوسط منذ تسعينيات القرن الماضي، فالداخل الإسرائيلي لم يُستهدف سوى من منظمات قدرتها الصاروخية محدودة مثل "حماس" أو "حزب الله" وأخيرًا جماعة الحوثي".

أما التطوّر الثاني الذي استعرضه الباحث في الشأن الإقليمي، خلال حديثه مع "عروبة 22"، فهو أنه بمثابة "الهجوم العسكري الأكبر على الداخل الإسرائيلي بهذا الحجم والكثافة، منذ عام 1948 تقريبًا".

ورغم الجدل المثار حول ما إذا كان الرد "مُهندَسًا" أو "مُنسّقًا" بشكل مسبق مع الإدارة الأمريكية عبر وسطاء أم لا، إلا أنه يمكن الجزم بأنّ الصراع الإيراني الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة بمعادلات تتجاوز الخطوط الحمراء السابقة، نتيجة للسياسة المتهورة التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

"تحوّل كبير"

وهنا يشير السفير معتز أحمدين، مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة الأسبق، إلى أنّ إيران كسرت حاجزًا ظلّ متواجدًا لسنوات طويلة، وبات وصولها إلى داخل وعمق الكيان الإسرائيلي ممكنًا ومتاحًا، وهو ما قد يدفع الطرف الآخر إلى اتخاذ قرار بتصعيد مماثل.

ويوضح أحمدين لـ"عروبة 22"، أنه برغم الحديث الإسرائيلي عن صدّ نحو 99% من الصورايخ والمسيّرات خلال الهجوم، إلا أنه "يجب الأخذ في الاعتبار أنّ طهران كانت قد أبلغت واشنطن عبر وسطاء بالهجوم مسبقًا، ما يعني أنها في مرات قادمة وبشكل مفاجئ قد تصل إلى مناطق أكثر حساسية وبدقة أكبر، وهو تحوّل كبير لا يمكن إغفاله عند قراءة ما حدث ليلة الرابع عشر من إبريل/نيسان". ويلفت الدبلوماسي المصري البارز إلى أنّ الهجوم صاحبته مجموعة من "الرسائل الجانبية"، بخلاف رسالة الردع، وفي مقدمتها هو "مقدرة إيران على دعم حلفائها ووكلائها في المنطقة، حيث سيكون ذلك بمثابة تشجيع لـ"حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن على الاستمرار في المعركة وربما التصعيد".

"قواعد اللعبة"

ويتفق مع هذا التوجه، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد مرسي، إذ يرى أنّ الهجوم  كفيل بتغيير "قواعد اللعبة" في المنطقة، معتبرًا أنّ "إيران وجّهت رسالة واضحة إلى إسرائيل وأمريكا بأنها تمتلك قدرة الرد العسكري الشامل وإمكانيات تصعيده، والأهم من ذلك إرادة الإقدام على تلك الخطوة".

وأكد مرسي أنّ "مشاهدة الصواريخ الإيرانية في سماء المدن الإسرائيلية للمرة الأولى يزيد من حالة القلق والتوتر وربما الرعب في إسرائيل من موجة أخرى أكثر قوة ودقة، وهو ما قد يعمّق الانقسام السياسي داخل الكيان الصهيوني".

لكن مع ذلك قد يدفع الهجوم النخبة الحاكمة في إسرائيل إلى التوافق على ضرورة "كسر شوكة" إيران وحلفائها، من منطلق أنّ الكيان الصهيوني يواجه تهديدًا خطيرًا، يستدعي تجنيبه الخلافات.

تداعيات الهجوم والرد الإسرائيلي المرتقب

لم تكن ليلة الرابع عشر من إبريل/نيسان كسابقتها من ليالي الصراع بين طهران وتل أبيب، إذ يرى مراقبون أنها من الممكن أن تكون بمثابة "تأريخ جديد" للصراع المحكوم بقواعد محددة منذ عقود.

الدبلوماسي المصري معتز أحمدين، يعتقد أنه في ضوء حرص الإدارة الأمريكية على عدم توسيع الصراع، فإنّ رسائل الهجوم قد تشجعها على ممارسة الضغط على إسرائيل للملمة الحرب في غزّة، ضمن خطوات متتابعة لإنهائها، خاصة وأنّ واشنطن باتت تدرك أنه لو لم يتم إنهاء الحرب في غزّة فإنّ الصراع في الإقليم سيكون قابلًا للاتساع.

لكن مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة الأسبق، يشير إلى "تأثير سلبي" على مسار الأزمة الفلسطينية ويتمثل في إمكانية استعادة إسرائيل بعضًا من الدعم الدولي الرسمي الذي تراجع مؤخرًا بسبب مجازرها في غزّة، تحت إدعاء تعرّض الدولة العبرية لخطر وجودي، وهي المظلومية التي نجحت إسرائيل مسبقًا في ترويجها لضمان استمرار الدعم الغربي لها.

نتنياهو وسيناريو إشعال المنطقة في سبيل البقاء

ورغم توقعات المراقبين بممارسة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ضغوطًا لحصار التوترات في الإقليم، ودفع نتنياهو لإنهاء العدوان على غزّة، في ظل قناعتهم بأنّ هدف "النصر المطلق" الذي يتحدث عنه رئيس الوزراء الإسرئيلي غير واقعي ولن يتحقق، إلا أنه لا يمكن استبعاد سيناريو استغلال نتنياهو للهجوم وتوظيفه للبدء في إجراءات عنيفة سواء على الجبهة اللبنانية مع "حزب الله" أو مع إيران نفسها، بهدف توريط واشنطن في حرب مباشرة مع طهران، وهو ما يدعم بقاءه في منصبه، فالرجل يدفع في اتجاه استمرار الحرب حتى يغلق الطريق على الدعوات التي تطالب بانتخابات مبكرة.

ويميل مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد مرسي إلى أنّ الهجوم الإيراني سيجعل الفرصة مؤاتية لتعزيز فرص إقامة تحالف كانت إسرائيل تسعى لجمعه ضد إيران، و"ربما يعطي الهجوم ذريعة قوية لإسرائيل لضرب العمق الإيراني، وكذا مواصلة ضرب "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن ومراكز التواجد الإيراني في سوريا وربما العراق، وحماية ذلك بتحالف إقليمي ودولي فشلت في تكوينه حتى الآن" .

مع ذلك لا يمكن إغفال أنّ الإدارة الأمريكية، قد تفهمت أخيرًا أنّ مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة ستكون مهددة في حال اشتعلت النار أكثر من الحدود القائمة، وهو ما يدفعها إلى الضغط على إسرائيل لدفعها للقبول بحلول ولو شكلية للقضية الفلسطينية التي هي السبب الأساسي للتوتر والاضطراب بالشرق الأوسط.

إذًا، كسرت إيران "الحاجز" وتجاوزت "الخطوط الحمراء" وتقدمت خطوات إلى الأمام وضربت العمق الإسرائيلي من أراضيها. في المقابل نجحت الدولة العبرية في صدّ الضربة وفي جبر الشروخ التي أصابت علاقتها بحلفائها في الغرب، وهو ما شجّع مجلس حربها على بحث رد يطال العمق الإيراني، ما يعني أنّ الشرق الأوسط سيخرج من دائرة التوتر التي سقط في آخر حلقاتها أكثر من 33 ألف شهيد، إلى دائرة صراع أوسع قد تحصد نيرانها مئات الآلاف من البشر ليس في إسرائيل وفلسطين المحتلة وإيران فحسب.. بل في العديد من دول الشرق الأوسط التي ستصلها النار بأسرع مما يتوقع أحد.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن