ليست مصادفة أن تكون كل حدود مصر ملتهبة وتدعو للقلق وسط صمت وتراخ عالميين وهو ما يؤكد شكوك أنها مقصودة لمحاصرة الدور المصري.
فمع اقتراب الصراع في السودان من بداية عامه الثاني لا توجد أي مؤشرات على التهدئة أو التوصل إلى حل سلمي عما قريب وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم إلى مقتل أكثر من ١٧ ألف شخص ونزوح أكثر من ١٢ مليون شخص، وتدمير معظم البنية الأساسية في السودان والخوف وارد أن يسير السودان على خطى العراق وسوريا، وإلى حد ما ليبيا واليمن، فالحركات المسلحة المقدر عددها بنحو 92 حركة، 87 منها في دارفور، بينما تنشط 5 في كردفان والنيل الأزرق ووسط وشرق البلاد؛ وسط تقارير عن انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية وتُمثل الخرطوم بؤرة الصراع، حيث فرضت قوات الدعم السريع -المدعومة بالميليشيات- سيطرتها على عددٍ من المواقع الحيوية. لكن العنف امتد إلى مناطق أخرى، أبرزها دارفور وجنوب كردفان.
وقد أسفر الصراع عن أضرار جسيمة على البنية التحتية، ومع فشل جهود الوساطات المتكررة وتحوّل الصراع إلى مواجهة صفرية بين الجانبين، تتنامى مخاطر زيادة التدخل الأجنبي وتحوّل الحرب الأهلية إلى حرب بالوكالة. وخلقت المبادرات المتناقضة، وصراع السلطة، عوامل تحديات في طريق الوصول إلى حل تفاوضي.
يؤمن كلا الفصيلين بأن النصر العسكري هو الطريق المضمون إلى السلطة، ما يجعل الوصول إلى حل مستدام أمرا مستبعدا في المستقبل القريب. لذا؛ بدأ الصراع في التحول إلى حرب استنزاف مطولة. حيث تعتمد القوات المسلحة على قوتها الجوية، بينما اعتمدت قوات الدعم السريع على عمليات حرب العصابات. وربما يأخذ الصراع الجاري بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منعطفا مروعا، مما سيؤدي إلى تقسيم السودان، حيث سيؤجج صراع السلطة المتصاعد، الانقسامات العرقية والإقليمية القائمة، ويدفع بالسودان نحو حالة التفكك، وسيتحول صراع السلطة بين الجانبين إلى نقطةٍ محورية في الصراع الأكبر.
ومع تقسيم السودان ستنفجر الصراعات المسلحة وصراعات السلطة بين المناطق والجماعات العرقية المختلفة، التي ستتنافس للسيطرة على الأراضي أو الموارد أو النفوذ السياسي، وستستمر المظالم التاريخية والصراعات التي لم تُحَل بعد - مثل صراع دارفور أو انفصال جنوب السودان - في تشكيل الديناميات الإقليمية وتحريك مطالبات حق تقرير المصير، ولا شك في أنّ تفكك الحكومة المركزية سيفاقم الأزمات الإنسانية القائمة، ما سيؤدي إلى زيادة النزوح وتدفق اللاجئين، وتقييد قدرات الاستجابة الإنسانية إقليميا ودوليا، وتتعزز هذه الصراعات وتلك الانقسامات بتدخلات لقوى إقليمية ودولية تدعم أطرافا ضد أخرى في اتجاهات متباينة تتسق ومصالح ذاتية لكل منها، حيث يحتدم صراع إقليمي ودولي على السودان لاعتبارات جيوسياسية حيوية إقليميا ودوليا ترتبط بهويته العربية الإفريقية، ولما يمتلكه من ثروات طبيعية إستراتيجية هائلة سواء ما كان منها تعدينيا في باطن الارض أو زراعيا رعويا بمساحات شاسعة على سطحها أو بصدد ثروات طبيعية بحرية بجانب موانئ السودان الواقعة على البحر الأحمر. وتبلغ مساحة السودان 1.882.000 كليومتر مربع وهو بذلك ثالث الدول من حيث المساحة في أفريقيا ومن العشرين دولة الأكبر مساحة في العالم. وكانت الأكبر في إفريقيا والعالم العربي حسب المساحة قبل انفصال جنوب السودان عام 2011. ورغم ذلك تضيق تلك المساحة الشاسعة عن استيعاب نحو ٥٩ مليونا من السودانيين لكي يصبحوا مهاجرين تتخطفهم دول الجوار وأعماق المتوسط في المراكب الغارقة.
("الأهرام") المصرية