قضايا العرب

"دبلوماسية الفراغ" تهيمن على الاتحاد المغربي

يكشف الاجتماع الثلاثي الأخير، لقادة تونس وليبيا والجزائر، في غياب المغرب عجز الاتحاد المغاربي عن حل إشكاليته وتجاوز خلافاته الداخلية والتاريخية المزمنة، كما يكشف استمرار العجز العربي عن حل الخلافات المغربية الجزائرية القائمة منذ عقود.

الاجتماع الذي وُصف بـ"التشاوري الأوّل"، ودعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيد، وحضره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، وعُقد في قصر قرطاج الرئاسي في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة، أضاع ساعات ما بين مراسم استقبال رسمية من المطار، ولاحقًا بالقصر الرئاسي في بروتوكولات كلاسيكية، لم تنجح في إخفاء أو تجميل الأزمة المغاربية.

المدهش حقًا هو أنّ اجتماع تونس، الذي اتفق على تكوين فرق عمل مشتركة تُعهد إليها إحكام تنسيق الجهود لتأمين حماية أمن الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية، تجاهل دعوات لترسيم الحدود بين ليبيا والجزائر، وحل أزمة إعادة افتتاح معبر رأس أجدير على الحدود البرية المشتركة بين تونس وليبيا، إذ أُغلق ذلك المعبر منذ أكثر من شهر على خلفية خلافات بين قوات حكومة الوحدة الليبية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وقوات تابعة للأمازيغ.

رؤية متناقضة

وعكست العبارات الإنشائية، التي تضمّنها بيان الاجتماع الختامي رؤية متناقضة لجدواه في مقابل التحديات الإقليمية، إذ بينما تحدث عن "ضرورة توحيد المواقف في مواجهة متغيّرات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة لم يعد بالإمكان لأي دولة أن تواجه تداعياتها بمفردها"، فإنه لم يوضح تحديدًا ماهية الحاجة المُلحّة، لأن يكون للدول الثلاث صوت مسموع وحضور مؤثر إقليميًا ودوليًا.

وبينما سجل البيان، أنّ اللقاء ينصب في إطار النأي بالمنطقة عن سياسة المحاور ومخاطر التدخلات الخارجية، فإنه لم ينجح في معالجة الإشكاليات التي رمز إليها غياب موريتانيا والمغرب عن الحضور.

وفيما اعتبر بمثابة خطوة إلى الوراء بعد مرور ساعات فقط على انتهاء اجتماع تونس الثلاثي، أرسل المنفي أخاه سامي كمبعوث شخصي إلى ملك المغرب محمد السادس.

ولم يعلن المنفي رسميًا عن هذه الرسالة، ولا عن إرساله شقيقه إلى المغرب في مهمة خاصة، لكن وسائل إعلام جزائرية استغربت تراجع سامي المنفي للوراء وتكليف أبو بكر الطويل، القائم بأعمال السفارة الليبية، رغم أنه هو من حمل الرسالة إلى المغرب. وتضمنت الرسالة بحسب وزارة خارجيتها إشادته بدور المغرب الفعال لصالح الإندماج المغاربي والثابت والدائم، للقضية الليبية، بما في ذلك اتفاق الصخيرات عام 2015، باعتباره حجر الزاوية والمرجع لتسوية المسألة الليبية.

وتسلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، رسالة مماثلة من المنفي، "تتعلق بتفعيل دور اتحاد المغرب العربي"، دون تفاصيل لكنها على ما يبدو كانت كفيلة بإجهاض فكرة إنشاء محور ثلاثي يقصي المغرب وموريتانيا.

حرص الرئيس التونسي على الإمساك بيدي المنفي وتبون خلال استقبالهما وانعقاد الاجتماع، الذي اعتبر البعض أنّ هدفه هو ملء الفراغ في منطقة وصفها أحمد عطاف وزير الخارجية الجزائري، لاحقًا بأنها "الوحيدة في العالم التي لا توجد بها آلية للتشاور المنتظم والدوري بين دولها".

استبعاد الرباط ونواكشوط

ومع ذلك دافع العطاف، عمّا وصفه بالاجتماع "الناجح"، لافتًا إلى أنه ليس بديلًا للاتحاد المغربي، وليس موجهًا ضد أي طرف.

كان العطاف يدرك جيدًا بهذه التصريحات، أنّ قمة تونس أثارت تساؤلات حول استبعاد المغرب وموريتانيا، واتهامات بمحاولة إنهاء الاتحاد المغاربي الذي تأسس في 17 فبراير/شباط من العام 1989 بمدينة مراكش بالمغرب.

في السابق، اعترف الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش، الذي غاب عن الاجتماع، ولم يرد على محاولات "عروبة 22" للتعليق حول مبررات غيابه أو تغيببه، بأنّ "تغليب الخلافات السياسية على المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يقف وراء تعطيل تحقيق الاندماج المغاربي".

ورغم أنّ تونس صُنّفت أنها من الزاوية الاقتصادية البحتة ستكون أبرز مستفيد من هذا الاجتماع الثلاثي، عبر الاستفادة من امتلاك ليبيا والجزائر ثروات نفطية هائلة وتصدير الغاز إلي أوروبا أو الحصول على أسعار تفضيلية في مجال المحروقات بأنواعها، فإنّ رئيسها قيس سعيد الذي ترأس اللقاء كان يواجه مأزقًا سياسيًا كبيرًا في الداخل.

وفيما يقف الرئيس الجزائري على مشارف حملة انتخابية للفوز بولاية رئاسية جديدة، فإنّ الليبي المنفي الذي يبقى على الورق رئيسًا للبلاد كان يهرب من أزمات بلاده الداخلية العصية على الحل.

بحسب ديبلوماسي عربي، صرّح لـ"عروبة 22"، فإنّ الثلاثي (سعيد، تبون، والمنفي) كان  لدى كل منهم مصلحة شخصية في الحضور والظهور الإعلامي والسياسي في حدث إقليمي، بينما يواجهون استحقاقات داخلية بالجملة.

عرض وساطة مستحيلة

وسعى عبد الهادي الحويج وزير الداخلية بحكومة الاستقرار الليبية الموازية، التي لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي، إلى اللعب على وتيرة الخلافات المغربية الجزائرية، حيث قارن بين ما وصفه بالدور المحايد لملك المغرب تجاه قضايا ليبيا، واحتضان المغرب للحوار بين الأطراف الليبية دون أية إملاءات أو فرض أجندات قد تُعدُّ تدخلًا في الشأن الليبي، بعكس بعض الدول التي ساهمت في إذكاء نار الصراع بين الأطراف الليبية ليستمر الوضع على ما هو عليه.

ورغم أنّ الحويج عرض وساطة حكومته لتقريب وجهات النظر المغاربية، مع كونه أكثر من يعرف أنها مستحيلة ولن تحدث لاعتبارات كثيرة، فإنه كان مصيبًا في اعتبار أنّ "الدعوات أحادية الجانب لإقصاء أي دولة من دول الاتحاد المغاربي خطوة في اتجاه وأده".

تمثّل ليبيا، في هذا الإطار، حالة فريدة من نوعها، كون الدول المغاربية عملت من وجهة نظر محددة، على تحقيق مصالحها الفردية لا الجماعية في نسف مباشر لمفهوم العمل الجماعي ووحدة المصير والتاريخ والجغرافيا.

وحتى بعد سقوط ومقتل العقيد الليبي معمر القذافي وتصفية بقية نظامه، الذي حكم ليبيا 42 عامًا وتحكَّـم إلى حد كبير في طبيعة العلاقات القائمة بين الدول المغاربية، أصبحت المسألة الليبية ورقة في التوتُّـر السائد بين الشقيقين اللَّـدودين المغرب والجزائر.

تاريخ الفشل والجمود

ليس سرًا أنّ الاتحاد المغاربي، قد واجه منذ تأسيسه عقبات أمام تفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية؛ حيث لم تُعقد أي قمّة على مستوى قادة الاتحاد منذ قمة 1994 التي استضافتها تونس.

وبعدما شهد بدايات موفقة ونشاطات كثيفة، دخل الاتحاد مرحلة التجميد وتعرّض للشلل بعد تجميد المغرب عضويته، بسبب خلافاته الحادة مع الجزائر، على خلفية قضية الصحراء الغربية وغلق االحدود البرية مع المغرب.

وبينما يسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء الغربية المستعمرة الإسبانية السابقة، تطالب جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر بالسيادة عليها، فيما تعتبر الأمم المتحدة هذه المنطقة من بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ساهم تراجع الحركات القومية في اتجاه الأنظمة العربية  نحو القُطرية والتجمعات الإقليمية، وهو ما بدأ بظهور مجلس التعاون الخليجي 1980، واتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون العربي (العراق، الأردن، مصر، اليمن) في 1990.

أزمة الأصل والفروع

ولاحقًا ساهمت الاتهامات، التي تواجهها الجامعة العربية بشأن عدم كفايتها كمظلة قومية، في خلق حالة من التنافس على الهيمنة على الجامعة العربية، وإخضاعها لهذه المنظمات الفرعية.

لكن هناك من يرى، أنّ معضلة الجامعة العربية تبقى في الميثاق، الذي تأسّست بموجبه عام 1945، ولا يزال يحكم حركتها، وليس ظهور منظمات إقليمية أخرى كالتعاون الخليجي أو الاتحاد المغاربي.

وبالمثل، لم تُترجَم بعض المصالح والهموم المشتركة، إلى روابط استراتيجية عميقة بين المغرب العربي ودول الخليج أبعد من الجغرافيا.

اللافت هنا، أنّ ما يعتري الاتحاد المغاربي من أزمات لم ينسحب على مجلس التعاون الخليجي، الذي يبقى الوحيد من بين كل الاتحادات والمجالس الفرعية التي عرفها العرب بعيدًا عن الجامعة العربية لكن في مأمن من السقوط.

قد تكون ثمة عوامل محددة تبقي المجلس الخليجي، كوحدة سياسية منظّمة، مقابل تفكك الاتحاد المغاربي، لكن ليس مصادفة أبدًا أنه وبينما عجز العرب عن احتواء أزمة المغرب والجزائر،  ثمة ترويج لفكرة اللحظة أو الدولة الخليجية، وانتقال مراكز الثقل السياسي التقليدي والقديم، من القاهرة ودمشق وبغداد.

في كل الأحوال، كشف اجتماع تونس، بين تبون وسعيد والمنفي عن أنّ الحديث عن محاولة ملء الفراغ قد يكون مرتبطًا في الحقيقة، بفكرة الاتفاق على الجلوس إلى طاولة المفاوضات،  بدلًا من التنافس على سراب الزعامة الإقليمية، أو خدمة لحسابات داخلية ومحلية لا تتماهى مع الوضع العربي العام.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن