العرب وطموح الوحدة

بعد حسم خلافة أبو الغيط.. "بيت العرب" أمام مفترق جديد!هل يحلّ تعيين نبيل فهمي مشاكل الجامعة العربية؟

بترشيح نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق، لمنصب الأمين العام للجامعة العربية خلفًا لسلفه أحمد أبو الغيط، الذي انتهت فترة ولايته الثانية بعد 10 سنوات من توليه هذا المنصب، ينتقل الجدل من فكرة تداوُل المنصب عربيًا إلى مستقبل المنظمة العربية نفسها.

بعد حسم خلافة أبو الغيط..

بينما ينتظر فهمي موافقةً تقليديةً من وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم المقبل في القاهرة، يُزيح ترشيحه، مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية، من بورصة المرشّحين، كما يُغلق باب طموحات خليجيّة ظهرت مؤخّرًا. وعبر فهمي، اختارت القاهرة مُجدّدًا فرض وصايتها التقليدية على "بيت العرب"، مُنهيةً الجدل حول إمكانيّة تداول المنصب، ليبقى التونسي الشاذلي القليبي، هو الاستثناء في قاعدة هيمنة المصريين، على الرَّغم من أنّ ميثاق الجامعة العربية لم ينصّ على جنسية أمينها العام، ولم ينظّم مسألة التداول عليه!. ولعلّ هذا ما يُفسّر مطالبة دول عربية عدّة، على رأسها  الجزائر في السابق، بتفعيل قاعدة التداول على المنصب جغرافيًا، بعدما اتّهمت الجامعة بعدم التمكّن منذ تأسيسها، من تحقيق المهام المنوطة بها.

وبعد أكثر من سبعة عقود من أدائها المتعثّر، تبدو الجامعة العربية، وفقًا للكثير من المراقبين، في حالة "موتٍ سريريّ"، ما يعني أنّ الديبلوماسي المصري المخضرم، إمّا أن يتخطّى الجمود المُزمن للجامعة، أو أن يكتفيَ بالتواجد كأسلافه.

شغل فهمي منصب وزير الخارجية من يوليو/تموز 2013 حتّى يونيو/حزيران 2014، حين أعاد توجيه سياسة مصر الخارجية في فترةٍ حرجة، وتولّى في مسيرته الممتدّة من 1976 إلى 2011، مناصب بارزة منها سفير مصر لدى الولايات المتحدة (1999-2008) واليابان (1997-1999)، وشارك في ملفات الأمن الإقليمي والدولي، ونزع السلاح، والصراع العربي - الإسرائيلي. ولديه كتابان هما "ديبلوماسية مصر في الحرب والسلام والتحوّل" بالإنكليزية عام 2020، و"من قلب الأحداث" بالعربية عام 2022.

من وجهة نظره، فإنّ العرب اعتمدوا على الخارج أكثر من اللّازم، كما أنّه يُحمّل غياب الديبلوماسية العربية المؤسّسية، المسؤولية عن "ثغرات في القدرات الأمنية الوطنية" و"عجز إدارة التغيير" عند الدول العربية، وهو أيضًا من أنصار أنّ إصلاح الجامعة يتطلّب ترصين اتخاذ القرار، كما يعتقد أنّه من دون إصلاح داخلي حقيقي، لا يمكن للجامعة أن تواجه التحدّيات بفعّالية.

في هذا السياق، لا يبدو فهمي خيارًا شكليًا، بل صاحب رؤية إصلاحية تتطلّع لتحديث بنية العمل العربي المشترك، لذا يُعوَّل على أن يكون تعيينه بداية انتقال الجامعة من مكانةٍ رمزيةٍ إلى دورٍ مركزيّ فعليّ.

وعلى الرَّغم من مرور أكثر من 75 عامًا على تأسيسها، تبدو الجامعة اليوم كيانًا شكليًا وليست أداةً فاعلةً لتحقيق التكامل العربي أو معالجة أزمات الإقليم، ذلك أنّ المنظمة التي تأسّست بهدف توحيد المواقف العربية، تعاني عجزًا ماليًا، وتباينًا سياسيًا، وضعفًا في التأثير.

كواليس تعيين موسى

على مدى عقدَيْن، تابعتُ كصحافي مسيرة الأمناء العامّين عن قُرب، ومن بينهم الدكتور عصمت عبد المجيد، الذي فاجأني خلال اتصال هاتفي بيننا في نهاية ولايته الثانية بقوله: "والله يا ابني لم يكلّمني أحد في موضوع التجديد"، وهو التصريح الذي أثار جدلًا واسعًا حول غموض آليّة الاختيار داخل الجامعة.

لاحقًا، روى عمرو موسى، الذي خلف عبد المجيد قادمًا من منصب وزير الخارجية آنذاك، في كتابه "سنوات الجامعة العربية"، أنّ الرئيس الراحل حسني مبارك رفض التمديد لعبد المجيد، قائلًا: "كفاية كده... فيه دول قالولي إنّ الجامعة نايمة وحَ تموت"، وأضاف: "ما فيش تجديد".

بدوره، اصطدم موسى بأزمةٍ ماليةٍ مُزمنة، لتغطية الرواتب، بعدما بلغ العجز مستوياتٍ غير مسبوقة، تكرّرت عام 2017، في ميزانية لم تتجاوز 27 مليون دولار، وهي أقلّ من ميزانية أي وزارة خارجية في دولة متوسطة.

وساهم ميثاق الجامعة في انعدام الالتزام الجماعي بالقرارات، حتّى أن البعض خلص إلى أنّ "هذا الضعف جاء من ميثاقها، الذي ينصّ على أنّ الدول التي توافق فقط على قراراتها هي التي تكون مُلزمةً بها".

كما ساهمت خلافات الدول الأعضاء في تهميش الجامعة، عبر السعي لاستخدامها لخدمة أجندتها، أو تحجيم خصومها، حيث تقلق الدول الأعضاء بشأن البقاء، والأمن، والمكاسب النسبيّة، أكثر من أي سلوكيّات تعاونيّة حقيقيّة... ولهذا فشل التكامل بعد أكثر من ستة عقود.

وحوّل انقسام العرب في الكثير من الملفات، الجامعة إلى منصةٍ كلاميةٍ أو للاشتباك الخطابي، ما سبّب عجزها عن فرض أي موقف موحّد تجاه الأزمات العربية الكبرى.

وعلى هذا النّحو، لا تبدو النُّخب السياسية العربية راغبةً فعلًا في تمكين مؤسّسة جامعة أو منحها سلطات حقيقية، ما يجعل مستقبلها رهنًا بإرادة سياسية غير متوفّرة.

وعلى الرَّغم من مبادرة عبد المجيد "المصارَحة قبل المصالَحة"، أو محاولات توسيع موسى لدورها السياسي، فقد اصطدمت الجامعة بجدار الواقع.

ومع فهمي، ستدخل المنظمة الإقليمية الأقدم في العالم العربي، مرحلةً جديدةً قد تُحدّد مصيرها بعد سنوات من الجمود، بَيْدَ أنّ ميثاقها العاجز، وخضوعها لحسابات السيادة والمصالح القُطرية، يجعل مهمّته أقرب إلى إدارة الفراغ العربي، بدلًا من قيادة عمل جماعي حقيقي!.

وعلى الرَّغم من طموحه، فثمّة شك في قدرة "الإصلاحي الهادئ" على بعث الحياة في مؤسّسةٍ عانت طويلًا من الغياب، إذ إنّ كلّ من سبقوه دخلوا أيضًا بأجندة طموحة، لكنّهم خرجوا بخيبات التمويل، وانعدام الالتزام، وتشرذم القرار العربي!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن