ويسعى الجيش السوداني إلى تحقيق هدفين؛ الأول: تغيير الموازين العسكرية على الأرض لصالحه، بعد أن استطاعت قوات "الدعم السريع" الاستيلاء على غالبية إقليم دارفور وهو مساحة أكبر من فرنسا، فضلًا عن تواجده في وسط السودان بإقليم الجزيرة، وتهديد كل من مدينتي عطبرة وشندي بما لهما من أهمية في الجغرافيا السودانية.
استقواء سلطة السودان بالأوراق الخارجية المتاحة لديها سيكون مربكًا لأطراف دولية تشمل الحلفاء
أما الهدف الثاني للجيش السوداني في تفعيل الأوراق الخارجية فهو مرتبط بمسارات "منبر جدّة" التفاوضي المتوقع عقده في الأسبوع الأول من مايو/أيار، حيث يريد الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي وقائد الجيش، ألا يكون هناك اعتراف دولي بشرعية موازية أو مساوية للجيش تحظى بها قوات "الدعم السريع"، ودمغ هذه القوات بالتمرّد.
وعلى صعيد موازٍ، فإنّ التلويح بالورقة الروسية سودانيًا، سيكون له تأثيره في موقف واشنطن من الجيش من حيث تخفيف الضغوط عليه على مائدة التفاوض، وربما القبول بأطروحاته فيما يتعلق بالضغط على الجهات الإقليمية المانحة والداعمة لقوات "الدعم السريع" على الصعيد التسليحي واللوجستي.
وقد لا تكون الورقة الروسية هي الورقة الوحيدة التي في يد قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، حيث لجأ خلال الشهرين الماضيين إلى تفعيل الورقة الإيرانية عبر عودة العلاقات السودانية مع طهران وإعادة فتح سفارتي البلدين، وهو التطور الذي ضمن له طبقًا لتقارير إعلامية دعمًا بمسيّرات عدّلت نسبيًا من الموازين العسكرية على الأرض.
وإذا كان استقواء سلطة السودان بالأوراق الخارجية المتاحة لديها مفيدًا للسودان، فإنه سيكون مربكًا لأطراف دولية أخرى تشمل الحلفاء قبل الأطراف التي يريد الضغط عليها، كما أنّ هذا الاستقواء له حسابات معقدة وحرجة على الجانب السوداني أيضًا بلا شك.
فالاستقواء بإيران يعني توفير منصة خارجية إضافية لطهران مضافة لكل من "حماس" و"حزب الله"، وهو أمر إذ يدعم الموقف الإيراني فإنه أيضًا يشكل سببًا في أن تتحوّل الحرب على غزّة إلى حرب إقليمية يتورط فيها الجميع، وإن كانت هذه الإمكانية قد تراجعت خلال الأسبوعين الماضيين بعد احتواء القصف المتبادل بين طهران وتل أبيب، فهي إمكانية بلا شك ما زالت قائمة، وهو أمر يشكل ضغوطًا على إيران ذاتها أولًا وعلى كل دول المنطقة ثانيًا، كما يشكل ضغوطًا على الولايات المتحدة بالتأكيد في عام الانتخابات الأمريكية.
أما على صعيد الاستقواء السوداني بروسيا إذا ما تطوّر إلى حد حصول روسيا على منفذ بحري على البحر الأحمر ولو في حدوده الدنيا أي مجرد توفير تموين للسفن الروسية، فهو بلا شك يقلق المملكة العربية السعودية التي لا تريد أن يكون هناك وجود روسي على بُعد فرسخ من شواطئها.
يجب ألا تُشكّل السودان جائزة للروس في لعبة الصراع الدولي المحتدمة حاليًا في أفريقيا
وقد تكون الحسابات الأمريكية أكثر حساسية بشأن خطورة الوجود الروسي في السودان ولو كان هامشيًا، وذلك في ضوء عدد من المعطيات المستجدة خلال الفترة الأخيرة، منها تطوير الآليات العسكرية الروسية في أفريقيا حيث تحوّلت شركة "فاجنر" إلى الفيلق الأفريقي تحت ولاية وزارة الدفاع الروسية، وهو الفيلق الذي يملك قاعدة عسكرية في أفريقيا الوسطى ذات الحدود المباشرة مع السودان، كما استطاعت موسكو إزاحة الولايات المتحدة من النيجر التي غادرتها فرنسا، وذلك رغم سياسيات الاحتواء الدبلوماسي التي مارستها واشنطن في الأزمة مع نيامي والتي تميّزت بالحنكة مقارنةً بباريس، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة للحفاظ على القواعد العسكرية الأمريكية في النيجر.
الجهود الأمريكية في النيجر ذهبت أدراج الرياح مع وصول ١١٠٠ جندي روسي إلى هناك على متن طائرة عسكرية، محمّلين بنُظُم دفاع جوية، وهو الأمر الذي يجعل أي مساحة تقارب روسي سوداني بمثابة جرس إنذار لواشنطن لا بد من التعامل معه بحكمة كي لا تشكل السودان جائزة للروس في لعبة الصراع الدولي المحتدمة حاليًا في أفريقيا.
(خاص "عروبة 22")