قضايا العرب

"التغيّر المناخي" يعصف بالعالم العربي: عوامل بشرية وظواهر طبيعية!

بيروت - حنان حمدان

المشاركة

بات التغيّر المناخيّ، النّاجم عن الاحتباس الحراريّ، الشغل الشّاغل لغالبيّة دول العالم، سعيًا وراء الحدّ من آثاره وتداعياته السلبيّة، أو على أقلّ تقدير تهيئة الأرضيّة اللازمة لمواجهة ما ينتج عنه. أمّا في الوطن العربيّ، فشهدت دول عربيّة كثيرة، في السّنوات القليلة الأخيرة، تقلّبات مناخيّة حادة، أدت في بعض جوانبها إلى ارتفاع درجات الحرارة وجفاف وانتشار الحرائق في الغابات، وفي بعضها الآخر عواصف ترابيّة ورعديّة وأمطار طوفانية وفيضانات.

نماذج كثيرة يمكن طرحها في هذا الخصوص، لن يكون آخرها، الفيضانات التي شهدتها مناطق مختلفة من الخليج العربي، في ظاهرة مناخيّة متطرّفة، حيث هطلت أمطار غزيرة تسبّبت بسيول شديدة وفيضانات جارفة حاصدةّ الأرواح في سلطنة عُمان، وخسائر مادية جسيمة في الإمارات العربية المتحدة التي ظهرت شوارعها وأتوستراداتها ومدرحات مطاراتها مغمورة بالمياه، وفرضت الأحوال الجويّة القاسيّة حظر تجوّل على الناس وتوقف حركة الملاحة الجوّية مؤقّتًا بسبب تأثير العاصفة التي قيل إنه لم يسبق لها مثيل في البلاد.

وإذ ربط بعض الباحثين بين هذا الحدث المناخيّ، وعمليات "تلقيح السّحب" أو ما يُعرف بالإستمطار (وهي تقنية معتمدة لمحاولة استدراج الأمطار من السّحاب شكل مصطنع)، سارع المركز الوطنيّ للأرصاد الجوّية في الإمارات إلى نفي صحة هذا الأمر، معلنًا أنّ الأمطار التي هطلت كانت طبيعية وبلغت معدلات الهطول خلال 24 ساعة 250 ملم في الأجزاء الشرقيّة من البلاد، في حين تتلقّى عادةً دولة الإمارات ذات المناخ الصحراويّ الجاف بين 140 و200 ملم من الأمطار على مدار العام، لذا لم تتمكّن البنى التحتيّة من امتصاص كميّات المياه الكبيرة التي تساقطت في فترة زمنية قصيرة. 

وقبلها، تحديدًا العام الماضي، حصلت فيضانات "درنة" في ليبيا، التي جسّدت أسوأ الكوارث الطبيعيّة وأشدّها فتكًا في تاريخ البلاد، فغيّرت ملامح المنطقة المنكوبة، وخلّفت دمارًا واسعًا أودى بحياة الآلاف من الأشخاص. 

كذلك، لم تسلم العديد من الدّول العربيّة من الحرائق التي دمّرت مساحات شاسعة من الغابات في تونس والمغرب والجزائر في ظل موجات الحرّ الشّديدة التي تشهدها المنطقة في الفترة الأخيرة وأدت إلى ارتفاع مؤشر خطر الحرائق في عديد من الدّول.

كما شهد لبنان في الأيام الأخيرة، تقلبات حادة في الطقس، وُصفت بأنها "مجنونة" كونها تنتقل من جو صيفي حار جدًا إلى شتويّ بارد في فترة زمنيّة قصيرة جدًا لا تتجاوز الأسبوع الواحد.

وتعليقًا على التّغيّر المناخيّ الحاصل وتأثيراته الظّاهرة والشّديدة على الوطن العربيّ، يقول الأب إيلي خنيصر، المتخصّص بالأحوال الجوّية وعلم المناخ، في حديث مع "عروبة 22": "هذه التّغيرات لم تكن وليدة اللحظة ولم تشكّل مفاجأة، بل كانت متوقّعة ومنتظرة منذ أعوام، وهذا ما أشارت إليه دراسات أميركيّة عديدة، وذكرناه نحن في وقت سابق، حين قلنا إنّ البلاد العربيّة ستكون عرضة لنسبة عالية من الفيضانات والسّيول وستتحوّل مساحات واسعة من الصّحراء إلى واحات عملاقة، بفعل سرعة الرياح وارتفاع الرّطوبة، وأنّها ستشكل ظواهر طوفانيّة".

وعن الأسباب التي أدّت إلى التّغيّر الحاصل، يعتبر أنّ "هناك عوامل سلبيّة سبّبها الإنسان وأخرى سببها الطّبيعة. فالإحتباس الحراري الحاصل سببه الإنسان الذي يساهم في تدمير الطّبيعة، بينما حين نتحدث عن خمود في النّشاط الشّمسيّ ودخول الأرض بعصور نصف جليديّة، فهذه ظواهر طبيعيّة، وكلاهما يؤدّيان إلى ما هو حاصل اليوم".

وإذ يتوقّع الخبراء بأن يتسبّب الاحتباس الحراريّ، في ارتفاع درجات الحرارة أكثر، وزيادة الرّطوبة وبالتّالي ازدياد خطر حدوث فيضانات في أجزاء عديدة من منطقة الخليج، يضيف الأب خنيصر: "في هذه المرحلة ليس علينا إلّا أن نتكيّف مع الوضع حتّى العام 2035، وهو معدّل الدّورة الذي سيخمد فيها النّشاط الشمسيّ ويكون العصر النصف جليديّ الرابع منذ سنة 1750 (أي منذ أن بدأت العمليّة الحسابيّة لما سمّته الناسا solar maximum وsolar minimum)".

وكان الأب خنيصر قد نشر في العام 2018، وثائقي حمل عنوان "طقس الأرض ينقلب بغفلة عين: فوضى عارمة والآتي أعظم"حول مناخ وطقس الأرض للسّنوات المقبلة، تناول فيه شرح ما يحصل من تغييرات مناخيّة وكيف ستواجه الأرض خطورة التّصادم بين الاحتباس الحراريّ والعصر نصف جليديّ الذي بدأ بالفعل في العام 2020.

ويترقّب علماء الطّقس للسّنوات القادمة حدوث تقلبات جوّية سريعة، ارتفاع في درجة حرارة المحيطات، كثرة الأعاصير والسّيول والفيضانات المدمّرة وغزارة الأمطار في أوروبا والشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا ووسط أميركا.

في المحصّلة، لا بد من التّنبه أوّلًا إلى تفاوت أضرار وتبعات التغيّر المناخيّ بين دولة غنيّة وأخرى فقيرة ضمن الوطن العربيّ نفسه، كون الخسائر في الأرواح تكون حتمًا كبيرة جدًا في الدول الفقيرة بسبب عدم جهوزيتها لمواجهة أيّة كوارث طبيعيّة محتملة، لذا بات من المهمّ أن تتعاطى الدول العربيّة بمسؤوليّة أكبر تجاه وضع استراتيجية موحّدة قادرة على مواجهة تداعيات التغيّر المناخي في الوطن العربي، والأخطار المحدقة به، حالها حال كلّ الدول المتقدمة التي باتت تضع هذه القضية في سلّم أولوياتها الراهنة والمستقبلية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن