وعلى قاعدة "كلّما اشتعلت فتائل الحروب كلّما ازدهرت تجارة السلاح"، ونتيجةً لتصاعد التوترات الجيوسياسيّة في مناطق عدة من العالم، خصوصًا في آسيا وأوقيانوسيا والشرق الأوسط، ارتفع الإنفاق العسكريّ العالميّ بنسبة 6.8% العام الفائت، مقارنةً بالعام الذي سبقه (2022)، في أكبر زيادة على أساس سنوي منذ عام 2009، وفق آخر تقرير نشره معهد ستوكهولم الدوليّ لأبحاث السلام "سيبري" قبل نحو أسبوع، بحيث زاد الإنفاق العسكري للسنة التاسعة على التوالي ووصل إلى 2443 مليار دولار (أيّ ما يقارب 2.5 تريليون دولار) في أعلى مستوى له في التاريخ.
ما يحملنا للتساؤل حول مدى تأثير "لوبي السلاح" في العالم، على مواقع القرار عالميًا وفي تأجيج الحروب المفتوحة، وانعكاس هذا الواقع على المنطقة العربيّة التي تُفتعل فيها الحروب والتوترات الأمنية والأزمات، وفرض الدول الكبرى سياسة "المقايضة" مع دولها لاستنزاف ثرواتها تحت شعار: "الدفع مقابل الحماية".
يقول الخبير الأمنيّ والاسترتيجيّ العراقيّ سرمد البياتي لـ"عروبة 22": "تكمن خطورة شركات السلاح، وقد يكون جزء منها وليس جميعها، عندما تكون مرتبطة بحكومات الدول، وبالتالي يكون لديها القدرة في التأثير على مواقع القرار"، على اعتبار أنّ شركات السلاح ليس لديها القوة الكافية التي تمكّنها بمفردها من اتخاذ قرار السلم والحرب، وإنما الحكومات نفسها، والتي يمكن أن يكون لمقاولي السلاح تأثير عليها.
لكن على مقلب آخر، توجد شركات أسلحة لا تربطها أيّ علاقة بالحكومات والسلطات النافذة في البلاد، وهي تعمل وفق استراتيجيات تجارية بحتة لبيع الأسلحة الخاصة بها وتحقيق الأرباح، ليس أكثر، على حد تعبير البياتي. مع العلم، أنّ نوعية السلاح نفسه الذي تبيعه الشركات يؤثر أحيانًا في دور الشركة الذي يمكن أن تلعبه على مستوى القرارات.
أما في بلداننا العربيّة، فإنّ "المنطقة ملتهبة أمنيًا" يقول البياتي، وغالبية البلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط يغيب عنها الإستقرار الأمني، والأمثلة كثيرة، وبالتالي تشكل هذه البقعة الجغرافية من العالم أرضًا خصبة جدًا لتصريف السلاح، بالنسبة لغالبيّة شركات السلاح.
في المقابل، يفرض الواقع الأمنيّ المتزعزع، على الدول الإنفاق الكبير على التسلّح، سواءً لغايات دفاعية في مواجهة الأخطار والأطماع المحيطة أو لتغذية الصراعات الداخلية وحماية الأنظمة، وهذا ما تؤكده مؤشرات الإنفاق في المنطقة، كما دول العالم في الفترة الأخيرة.
ويضيف البياتي: "بالفعل، هناك إنفاق كبير على السلاح، لكن لا يمكن مقارنة الدول الفقيرة مع الدول النفطيّة الغنيّة في الوطن العربيّ، فعلى سبيل المثال، إنفاق السعودية، التي تحتل المرتبة الأولى في الإنفاق على السلاح في منطقة الشرق الأوسط مختلف إلى أبعد حدود مقارنةً مع دولة متعسرة ماليًا كلبنان مثلًا، الذي يعتمد عادة على الهبات من الدول الكبرى فيما خص السلاح، وهذا ما يجعل لكل دولة خصوصيتها في مجال التسلّح".
أما إذا ما أردنا فهم واقع "لوبي السلاح" أكثر، فإنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة، خير مثال على ذلك، حيث يوجد لوبي معروف بـ"الثالوث الحديديّ" القائم على علاقة متينة تجمع الكونغرس الذي يقر التشريعات، بالبنتاغون الجهة التي تبرم الصفقات، مع مقاولي السلاح، ولا يخفى على أي متابع كون هذا "اللوبي" يموّل الحملات الإنتخابية لأعضاء الكونغرس، وبعضهم بدوره يمتلك أسهمًا في شركات تصنيع الأسلحة، ما يجعلهم جميعًا مستفيدين من اختلاق الأزمات والحروب بهدف جني الأرباح.
هُم باختصار، يشعلون الحروب لتصريف إنتاجهم من السلاح، مستفيدين من تنصيب أميركا نفسها وصية على النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقد ساهم هذا اللوبي في تمويل وسائل إعلامية لتولي مهمة تجييش الرأي العام الأميركي من أجل خوض حروب خارج أراضيها، والأمثلة تطول، كالحرب على العراق بذريعة وجود "أسلحة دمار شامل" سرعان ما ظهر زيفها، والحرب على أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب، وأولًا وأخيرًا من خلال دعم الإحتلال الإسرائيليّ في جميع حروبه على الفلسطينيين والعرب، وتأجيج الصراعات الإيرانية العربية لاستنزاف أموال العرب وثرواتهم، وصولًا إلى استنزاف أموال الحلفاء الأوروبيين حتى من خلال إشعال فتيل الحرب الروسية الأوكرانية وما استدعى ذلك من الحاجة إلى توفير الأسلحة لأوكرانيا بحجة الدفاع عن أمن الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الأرقام الجديدة، يبدو لافتًا ارتفاع الإنفاق العسكريّ في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 9%، ليصل إلى 200 مليار دولار في العام 2023، وهو أعلى معدل نمو سنويّ تشهده المنطقة خلال العقد الماضي، وفق أرقام "سيبري".
وفي هذا السياق، يخدم الوضع الأمني المتزعزع في المنطقة، الغايات الأميركيّة لناحية تحقيق مكاسب مادية من ثروات الدول الغنيّة، لاسيّما الخليجية، وهذا ما حرص صراحة على قوله وتكراره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كل مرة كان يظهر فيها ليتحدث عن أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي من تحمي دول الخليج، وبأن هناك دول لن تبقى لأسبوع واحد من دون الحماية الأميركية، وبالتالي عليهم دفع ثمن حماية واشنطن لبلادهم، بمعنى "الدفع مقابل الحماية".. علمًا أن اقتحام أميركا المنطقة العربية بحجة حمايتها وتعزيز الديمقراطية فيها خلال العقود الماضية لم يسفر سوى عن تدمير هذه المنطقة وزيادة الاستبداد والتشرذم والتخلّف فيها.
بالأرقام..
في أوروبا، انتعش سوق السلاح، حيث رفعت الدول الأوروبيّة ميزانياتها الدفاعيّة بسبب الحرب التي دقت القارة الأوروبيّة. وعالميًا، وفق "سيبري" فإنّ أكبر عشر دول زاد إنفاقها على السلاح خلال العام المذكور هي: الولايات المتّحدة الأميركيّة (916 مليار دولار) والصين (296) وروسيا (109) والهند والسعودية وبريطانيا وألمانيا وأوكرانيا (64.8) وفرنسا واليابان. ما يؤكد زيادة التسليح في البلدان الأوروبيّة.
يذكر أنه في العام نفسه، إرتفع الإنفاق كنسبة من الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ إلى 2.3%، في حين ارتفع معدل الإنفاق العسكريّ كنسبة من الإنفاق الحكوميّ بنسبة 0.4 نقطة مئوية إلى 6.9%، وبلغ الإنفاق العسكريّ العالميّ للفرد 306 دولارات، وهو الأعلى منذ عام 1990.
وقد نما الإنفاق الإسرائيليّ (ثاني أكبر إنفاق عسكري في المنطقة بعد السعودية) بنسبة 24% ليصل إلى 27.5 مليار دولار ، بسبب الحرب القائمة على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وكذلك ارتفع في الجزائر بنسبة 76% ليصل إلى 18.3 مليار دولار. وكان هذا أعلى مستوى من الإنفاق سجلته الجزائر على الإطلاق.
وحلت إيران في مركز "رابع أكبر منفق عسكري في الشرق الأوسط" في عام 2023 بمبلغ 10.3 مليار دولار. ووفقًا للبيانات المتاحة، ارتفعت حصة الإنفاق العسكري المخصصة للحرس الثوري من 27% إلى 37% بين عامي 2019 و2023.
(خاص "عروبة 22")