بين تصديق أمر لا سبيل لمقاومته، أو ضغط الجماعة، أو الحاجة لإيجاد منطق في العالم: هذا ما يدفع العقل البشري إلى قَبول المؤامرات.
إذا كانت الجائحة قد تركت لنا شيئًا للتأمّل، فهو نظريات المؤامرة. ماذا لو كان كوفيد 19 خطأ تقنية 5G؟ ماذا لو كانوا سيعطوننا عبر اللقاح شريحة صغيرة حتى يتمكّن بيل غيتس من التحكم بنا؟ وإذا لم تكن مؤامرة فيروس كورونا كافية، فقد وصلت فيلومينا وغامر البعض بالقول إنّ ما جرى لم يكن ثلجًا، بل كرات بلاستيكية!
مع أنّ الكثيرين ينظرون إلى أصحاب نظرية المؤامرة من وجهة نظرهم الخاصة، إلّا أنّ الحقيقة هي أنّنا كمجتمع نُحب نظريات المؤامرة.
إذا كانت مجموعتنا الاجتماعية تؤمن بشيء ما فمن المرجح أن نتبع "القطيع"
إذا كان ثمة شيء أبهر الكوكب بأكمله، فهو أنّ الأمريكيين لم يهبطوا على سطح القمر بتاتًا، وأنّ الصور التي رأيناها سُجلت في فيلم أعد تحت إشراف المخرج السينمائي ستانلي كوبريك! ورغم سهولة تفكيك نظريات المؤامرة - حتى إنّ هناك تفسيرًا لسبب رفع العلم الأميركي على القمر - فإنّهم يحصلون على مجموعة من التابعين الخلّص.
وبمساعدة مارك لورش، أستاذ الاتصال العلمي والكيمياء بجامعة هال (إنجلترا)، سنقوم بتحليل سبب إيمان الناس بنظريات المؤامرة.
الدماغ اللاعقلاني وضغط الجماعة
إنّ أدمغتنا العقلانية مُجهزة بأسلاك تطورية غير متطورة، ويوضح لورش هنا أنّ أحد أسباب ظهور نظريات المؤامرة بشكل منتظم هو رغبتنا في فرض بناء على العالم، وقدرتنا المدهشة على التعرف على الأنماط، ممّا يقودنا إلى إيجاد أنماط تُبرّر العلاقة بين تقنية 5G وكوفيد، أو أنّ اللقاحات تولد مرض التوحّد، حتى لو كان ذلك كذبًا تمامًا.
في الواقع، بيّنت دراسة حديثة وجود علاقة بين حاجة الفرد إلى البنية والميل إلى الإيمان بنظرية المؤامرة، ولكن في المقابل يشير الأستاذ الجامعي إلى الضغط الجماعي: نحن حيوانات اجتماعية ومكانتنا في هذا المجتمع أهم بكثير - من وجهة نظر تطورية - من أن نكون على حق. وبالتالي، فإنّنا نقارن باستمرار أفعالنا ومعتقداتنا مع أفعال ومعتقدات أقراننا ثم نعدّلها لتناسبها. وهذا يعني أنّه إذا كانت مجموعتنا الاجتماعية تؤمن بشيء ما، فمن المرجح أن نتبع "القطيع".
ومن الجدير تسليط الضوء على التحليل الذي يؤكد أنّه كلّما زاد عدد الأفراد الذين يصدقون المعلومات، زاد احتمال قَبولنا لها على أنّها صحيحة، وإذا تعرّضنا من خلال مجموعتنا الاجتماعية لفكرة مُعيّنة، فيمكن لأيّ فكرة أن تتسلّل إلى نظرتنا للعالم.
كيفية الحد من نظريات المؤامرة
الجذور القوية لبعض نظريات المؤامرة تجعل من الصعب بالإمكان إخراجها من رؤوس الناس. يقدّم لورش العديد من النصائح لجعل الناس يتخلصون من الأفكار اللّاعقلانيّة.
يستوجب بداية محو الأمية العلميّة، الأمر الذي سيكون له تأثير طويل الأجل، ولا يقصد بهذا الإلمام بالحقائق والأرقام والتقنيات العلمية.
نحتاج إلى أن يتغلغل التعليم العلمي في المجتمع
وبدلًا من ذلك، ما نحتاجه هو معرفة القراءة والكتابة بالطريقة العلمية، مثل المنطق التحليلي. والحال أنّ الدراسات تبيّن أنّ رفض نظريات المؤامرة مرتبط بمزيد من المنطق التحليلي. ونحتاج إلى أن يتغلغل التعليم العلمي في المجتمع فعليًا، ويوصي البروفيسور الجامعي بتجاهل الخرافات، ولا حتى ذكرها أو الاعتراف بها.
يُشير لورش إلى أنّه في محادثة من هذا النوع، يجب الاكتفاء بذكر النقاط الرئيسية للحقيقة العلمية فحسب، مثل أنّ اللقاحات آمنة وتقلل من فرص الإصابة بالأنفلونزا بين 50٪ و60٪، وأنّها نقطة النهاية.
كما يُشير إلى أنّه لا ينبغي ذكر المفاهيم الخاطئة؛ لأنّها تميل إلى التذكّر بشكل أفضل. وبالمثل، فهو يوصي بعدم تحدي رؤية الطرف الآخر للعالم، بل تقديم تفسيرات تتفق مع معتقداته الموجودة مسبقًا. اقتراحه الأخير هو أنه بدلًا من تقديم البيانات بشكل عشوائي، يتم تقديم الحجج من خلال سرد قصة.
تؤكد التحليلات أنّ الناس ينخرطون في السرد أكثر بكثير من الحوارات الجدلية أو الوصفية. ويخلص الأستاذ الجامعي إلى أنّ القصص تربط بين السبب والنتيجة، مما يجعل الاستنتاجات التي تريد تقديمها تبدو شبه حتميّة.
(خاص "عروبة 22")