قضايا العرب

تطبيع العلاقات المصرية – التركية: ملفات عالقة تنتظر الحسم!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

تحوّلات عدة تنتظرها منطقة الشرق الأوسط، على وقع تسارع وتيرة التقارب بين مصر وتركيا، في الوقت الذي من المقرر أن تشهد الأيام الأخيرة من يوليو/ تموز الجاري قمة ثنائية بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي حينما يزور الأخير أنقرة، إيذانًا بتدشين مرحلة جديدة في العلاقات تُنهي حالة الجمود، وتقود نحو تطبيع كامل بعد قطيعة استمرت لنحو 10 سنوات.

تطبيع العلاقات المصرية – التركية: ملفات عالقة تنتظر الحسم!

تأتي القمة المرتقبة بين الرئيسين التركي والمصري في ظلّ مناورات من جانب الدولتين لتفادي الضغوط المفروضة عليهما من أطراف دولية وإقليمية، وسط ترقب يسود حيال مصير بعض ملفات الإقليم الملتهبة، في الوقت الذي تمثل فيه أنقرة والقاهرة رقمين رئيسيين في معادلة الأزمة الليبية، وكذلك في معادلة الصراع على مراكز الطاقة في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز.

تقريب أجل حل الأزمة الليبية

أحد أبرز القضايا الخلافية بين مصر وتركيا، كانت الأزمة الليبية، إذ تعتبر القاهرة جارتها الغربية والتي تتصل معها بحدود مشتركة تتجاوز الألف كيلومتر، امتدادًا طبيعيًا لأمنها القومي، وهو ما دفع الرئيس المصري إلى أن يعلن في يونيو/حزيران عام 2020 خط (سرت - الجفرة)، خطًا أحمر لمصر في تحذير لقوات حكومة المجلس الرئاسي وقتها التي تدعمها تركيا، من التحرك شرقًا باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر المدعوم مصريًا، فيما ترى أنقرة في ليبيا ورقة لعب متعددة الأوجه، فمن ناحية تضغط بها لكسر محاولات حصارها في منطقة شرق المتوسط، ومن ناحية أخرى تمثل فرصة اقتصادية سانحة من خلال ما تملكه من ثروات وسط حاجتها لعمليات إعادة إعمار للدمار الذي خلفه الصراع المندلع منذ فبراير 2012.

ضغوط تمارسها مصر وتركيا والإمارات من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاق ليبي

التقارب بين مصر وتركيا وتطبيع العلاقات بينهما سينعكس إيجابًا بالطبع على صعيد التوصل إلى حلّ ينهي معاناة الليبيين، حسبما أكد الدكتور أحمد أويصال مديرمركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط (أورسام)، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة إسطنبول، إذ يرى أن تلك الخطوة تقرّب ليبيا كثيرًا من الحل السياسي لأزمتها، لافتًا إلى تفاهمات جرت بين الجانبين على الأرض في ليبيا لا يمكن إغفالها.

المدقق في الشأن الليبي سيدرك التطورات التي طرأت مؤخرًا في أعقاب المراحل الأولى من التقارب بين القاهرة وأنقرة، وهي التطورات التي دعمها تقارب آخر بين تركيا والإمارات العربية المتحدة التي تدعم معسكر شرق ليبيا، فالقاهرة أخذت في الآونة الأخيرة خطوة للخلف بشأن موقفها المتصادم مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة المدعوم من تركيا بقوة، وكذلك الإمارات التي تشير دوائر ليبية إلى تفاهمات غير معلنة بينها وبين الدبيبة قادت إلى رفع الغطاء السياسي عن فتحي باشاغا منافس الدبيبة، والرئيس المعزول للحكومة المكلفة من مجلس النواب والمدعومة من حفتر والتي تتخذ من سرت مقرًا لها.

بخلاف تلك التطورات، لا يخلو المشهد الليبي من أحاديث عن ضغوط تمارسها الأطراف الثلاثة (مصر وتركيا والإمارات) على حلفاء كل منها هناك من أجل تسهيل التوصل لاتفاق بشأن خارطة الطريق وإجراء الاستحقاقات الانتخابية في أسرع وقت.

ما ذهب إليه أويصال بشأن تأثير تطبيع العلاقات بين البلدين، يتفق معه أيضا الدكتور علي باكير، الخبير في الشأن التركي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، زميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن، إذ يرى انّ البلدين قادرين على التوصل إلى حل للأزمة الليبية يدعم إرادة الليبيين وينعكس بشكل إيجابي على مصالح الطرفين مع ليبيا.

ويعتبر باكير أنّ ليبيا كما كانت ساحة صراع وعقبة على صعيد عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة في وقت سابق، فإنها قد تكون ساحة تعاون بين البلدين، لافتًا إلى ما تتمتع به من ثروات وحاجاتها إلى إعادة إعمار ونهضة في جميع القطاعات، في الوقت الذي تمتلك تركيا ومصر الإمكانات المطلوبة، وبإمكانهما التعاون في مجالات الإنشاءات والبنى التحتية، والمواصلات، والخدمات، والطاقة بما يخدم مصالح الأطراف الثلاث، ومشددًا على أن المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في ليبيا سيفتح فرص اقتصادية كبيرة لمصر وتركيا في وقت غاية في الأهمّية لهما.

وفي وقت سابق أعلن وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاوش أوغلو أن أنقرة والقاهرة ستتعاونان بشكل أوثق في الشأن الليبي، فيما أكد وزيرا الخارجية المصري والتركي أنّ لديهما رغبة مشتركة في إجراء انتخابات في ليبيا وكسر الجمود، مع احتمالية تشكّل آلية لحل النزاعات المستمرة ليس في ليبيا فحسب، بل قد تكون تركيا ومصر قادرتين على تكرار هذا النموذج في مناطق أخرى، مثل السودان أو شرق البحر المتوسط.

تهدئة شرق المتوسط

من ضمن القضايا العالقة في فضاء العلاقات المصرية التركية، غاز شرق المتوسط. وعلى الرغم من أنّ مصر وتركيا لاعبين رئيسيين في ملف شرق المتوسط إلا أنّ الأمور فيه تبدو أكثر تعقيدًا، بسبب تعدد أطرافه وتقاطع مصالحهم، وكذلك حجم التجاذبات الدولية فيه. فمصر التي اتخذت طريقها نحو التقارب مع تركيا، ترتبط بعلاقات شراكة مع اليونان العدو اللدود لأنقرة، وكذلك قبرص، في المقابل، تحركت كل من أثينا ونيقوسيا، بشكل أكثر مصلحية بالتشارك مع إسرائيل، بعيدًا عن مصر التي ترمي إلى أن تتحوّل لمركز إقليمي لتجارة الطاقة.

ووقعت كل من قبرص وإسرائيل اتفاق إقامة كابل كهربائي عالي الجهد يربط بينهما، تنفيذًا للمرحلة الأولى من مشروع لنقل الطاقة بين إسرائيل وأوروبا، إضافة إلى مشاريع أخرى منها، توقيع قبرص واليونان وإسرائيل اتفاقًا لمد أطول وأعمق كابل كهرباء تحت الماء سيقطع قاع البحر المتوسط بتكلفة نحو 900 مليون دولار، ويربط الشبكات الكهربائية للدول الثلاث.

تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة من شأنه أن يفتح أبواب منتدى غاز شرق المتوسط أمام تركيا

يمكن القول إنّ التقارب المصري التركي سيمثل حلولًا لكل من الدولتين، فمن جهة سيعدد أوراق اللعب في يد القاهرة أمام أية محاولات من جانب إسرائيل واليونان وقبرص لتهميشها أو تخفيض مكاسبها في سوق الطاقة بتلك المنطقة، وبالنسبة لتركيا من شأنه أن يفتح بابًا لإنهاء النزاع القائم بينها وبين اليونان على ترسيم الحدود البحرية.

كما أنّ تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة من شأنه أن يفتح أبواب منتدى غاز شرق المتوسط أمام تركيا، وهو المنتدى الذي كان ضمن أهداف تأسيسه مواجهة أنقرة من جانب مصر واليونان وقبرص.

في هذا الإطار يرى الدكتور أحمد أويصال أنّ تركيا لن تمانع أية وساطة مصرية بين أنقرة وأثينا في ظل ما تتمتع به من علاقات جيدة معهما، مشيرًا في الوقت ذاته إلى صعوبة مثل تلك الوساطة، وسط استقواء اليونان بالاتحاد الأوروبي وعدم استعدادها لتقديم تنازلات.

أما علي باكير، فيرى أنه حال توصلت مصر وتركيا لاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما فإنّ من شأن اتفاق كهذا أن يغيّر وجه المنطقة وأن يفتح لهما آفاقًا جديدة من حيث التعاون وربما ثروات جديدة من الغاز والنفط، معتبرًا أنّ ترسيم هذه الحدود من شأنه أن يدفع اليونان لتغيير موقفها عبر وساطة تقودها القاهرة، مشددًا على أنّ تطبيع العلاقات المصرية التركية قد يكون حافزًا لمزيد من التعاون والتفاهم في منطقة شرق البحر المتوسط.

ماذا عن "الإخوان"؟

لن يكون من المبالغة القول بأن الاتفاق بين مصر وتركيا، في هذه الأثناء من شأنه أن يحدّد شكل جماعة "الإخوان" المنافس والعدو الرئيسي لكثير من الأنظمة العربية، ومستقبلها في ظل متغيّرات كثيرة تشهدها المنطقة.

فظاهريًا تُعدّ الجماعة الخاسر الأكبر من التقارب بين القاهرة وأنقرة، إذ قلّصت الأخيرة مساحات الدعم التي أتاحتها لقادة التنظيم على الأراضي التركية، بل وضيّقت الخناق على كثير منهم وإن كانت تمسكت في مفاوضاتها مع القاهرة بعدم تسليم أيّ من عناصر التنظيم.

بمقدور تركيا إقناع "الإخوان" بالتخلي عن السياسة والاكتفاء بالعمل الدعوي

لكن من جهة أخرى، قد يحمل هذا التقارب مخرجًا للجماعة من أزمتها الحالية، حال حاول نظام حزب "العدالة والتنمية" لعب دور الوسيط بين النظام المصري والجماعة بصياغة تراعي كافة مخاوف وملاحظات القاهرة، وهو الأمر الذي يشير إليه أويصال، بقوله إن تركيا يمكنها أن تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر، في وقت يبحث فيه "الإخوان" عن مصالحة مع النظام المصري، إذ بمقدور تركيا بحسب أويصال أن تقنع "الجماعة" بالتخلي عن السياسة تمامًا والاكتفاء بالعمل الدعوي.

السيناريو الذي يشير له أويصال ربما لا يكون بعيدًا كما يعتقد البعض، خصوصًا في ظل المتعارف عليه بأنّ من سمات السياسة أنها متغيّرة ولا تعترف بثوابت، والأمر في هذا الإطار ربما يتوقف على عدة محددات أهمها المصلحة التي ستعود على أنقرة من اتفاق كهذا، وكذلك بعض التحوّلات الجارية في ظلّ حديث عن إمكانية تقارب بين "الجماعة" والسعودية الرامية لقيادة المنطقة. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن