وأظهر صندوق النقد، أنّ التضخم المحلي في العراق انخفض إلى 4% بحلول نهاية عام 2023، مما يعكس انخفاض أسعار المواد الغذائية الدولية، وإعادة تقييم العملة ابتداءً من فبراير 2023، وعودة تمويل التجارة إلى طبيعته، لكنه أشار إلى تفاقم الاختلالات بسبب التوسع المالي الكبير وانخفاض أسعار النفط، متوقعًا أن يؤدي التوسع المالي المستمر إلى تعزيز النمو في عام 2024، على حساب المزيد من التدهور في الحسابات المالية والخارجية، وضعف العراق أمام تقلبات أسعار النفط، من دون تعديل السياسات، إذ إنّ مخاطر ضغوط الديون السيادية متوسطة الأجل مرتفعة، ويمكن أن تنشأ مخاطر على الاستقرار الخارجي.
من شأن الاعتماد المفرط على النفط أن يعرّض العراق لتقلبات الاقتصاد الكلّي
كما توقع الصندوق أن يبلغ دين الحكومة العراقية 48.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 و54.6% في 2025، إذ إن هناك حاجة إلى تعديل مالي تدريجي، لكن كبير، لتحقيق استقرار الدين على المدى المتوسط، وإعادة بناء هوامش الأمان المالية، والسيطرة على فاتورة الأجور العامة، وتنظيم أساسيات التوظيف الإلزامية، وتعبئة الإيرادات غير النفطية، مع توجيه المساعدات الاجتماعية بشكل أفضل، والتنفيذ الفوري لإصلاحات إدارة الجمارك والإيرادات.
يُعد العراق أحد أكثر الدول اعتمادًا على النفط في العالم، وشكلت عائدات النفط أكثر من 99% من صادراته، و85% من موازنته الحكومية، و42% من من الناتج المحلي الإجمالي، وإنّ من شأن هذا الاعتماد المفرط على النفط أن يعرّض العراق لتقلبات الاقتصاد الكلّي، في حين تقيّد أوجه الجمود في الموازنة حيّز الإنفاق المتاح في المالية العامة، كما تحد من أي فرصة لوضع سياسات لمواجهة التقلبات الدورية، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستقر معدل التضخم عند 4%، سواء كمتوسط للعام أو كمستوى بنهاية السنة خلال العامين 2024 و2025، كما يقدّر الصندوق ارتفاع الاحتياطيات الدولية إلى 112 مليار دولار أميركي، بنهاية 2023 مقابل نحو 97 مليار دولار في نهاية 2022. وخفّضت الحكومة العراقية الدين الخارجي من 19.7 مليار دولار في 2022 إلى 15.9 مليار دولار في 2023، وصولاً إلى ما يقارب 8.9 مليار دولار في 2024.
إنّ خفض مستوى الاعتماد على النفط، وضمان الاستدامة المالية، مع العمل في الوقت ذاته على حماية الإنفاق الاجتماعي والاستثماري بالغ الأهمية، سوف يتطلّب إجراءَ ضبط كبير لأوضاع المالية العامة، يرتكز على التحكُّم في فاتورة أُجور القطاع العام، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وبالتوازي مع ذلك، سوف يتطلب الوضع تحقيق نمو اقتصادي مرتفع لاستيعاب القوى العاملة المتزايدة بشكل سريع، وتعزيز الصادرات غير النفطية، وتوسيع نطاق الوعاء الضريبي.
يمثّل تقدير العلاقة بين القطاعين الأساسيين في الاقتصاد الوطني وهما الزراعة والصناعة، التوجُّه نحو تسخير قطاع إنتاج النفط، ليس فقط بوصفه موردًا ماليًا فحسب، وإنّما موردًا استثماريًا في تأسيس صناعة محلية لمشتقات النفط، وضرورة تطوّر صناعة الغاز واستثمارها بالصورة التي يستطيع العراق من خلالها تصدير الفائض منه إلى الأسواق العالمية، وخصوصًا أنَّ هناك توجُّهًا أوروبيًا في استيراد الغاز من العراق، ومد أنبوب يمرُّ عبر تركيا إلى أوروبا، فضلًا عن تطوّر الصناعات ذات الارتباط الرئيس مع النشاطات الاقتصادية وبالذات القطاع الزراعي، وبما ينعكس على تنشط العلاقات الوظيفية، وإيجاد التحديث والتطور في الاقتصاد العراقي.
العراق يحتاج إلى رفع معدّلات النمو في القطاع غير النفطي بشكل مستدام لاستيعاب القوى العاملة
في الختام، لا بد من ضرورة العمل على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية لإطلاق العنان لتنمية القطاع الخاص، وتكافؤ الفرص بين الوظائف العامة والخاصة، وتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة، وإصلاح قوانين التعليم والعمل، والعمل على تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد أمران أساسيان أيضًا، بما يشجع على مواصلة تعزيز إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز أنظمة المشتريات العامة والأعمال التجارية، ومعالجة أوجه القصور في قطاع الكهرباء.
فالعراق يحتاج إلى رفع معدّلات النمو في القطاع غير النفطي وبشكل مستدام لاستيعاب القوى العاملة التي تتزايد أعدادها بشكل سريع، وإلى زيادة الصادرات غير النفطية والإيرادات الحكومية، بالإضافة إلى الحد من تعرّض الاقتصاد لصدمات أسعار النفط، وقد حددت الحكومة هدفًا في الموازنة مدته ثلاث سنوات لتقليل الاعتماد على إيرادات النفط من 95% إلى 80%، مع تعزيز الإيرادات الحكومية وزيادة اندماج الإقتصاد العراقي في عجلة الإقتصاد العالمي.
(خاص "عروبة 22")