ما زالت أغلب أطر العمل العربي المشترك، إما في شكل مجالس وزارية ومنظمات متخصصة تقوم بدور تنسيقي بالأساس، أو لجان استشارية للخبراء، ولكن هناك حاجة للتوسّع في المؤسسات الأكاديمية لا سيما المتخصصة، مثل الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا للنقل البحري، التي بدأت كمؤسسة للتعليم في مجال النقل البحري ثم توسّعت لمجالات أخرى، ولقد حققت نجاحًا ملحوظًا، إذ تُعد بيت الخبرة الرئيسي في مجال النقل البحري بالمنطقة العربية، كما امتد نطاق عملها لمجالات تعليمية أخرى خاصة في الهندسة والتكنولوجيا والإعلام. وهناك المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد" (مقره بدمشق)، الذي رغم تأثره بالأزمة السورية، ولكن يظل محفلًا علميًا مهمًا في المنطقة.
كما حقق العمل العربي المشترك غير الرسمي نجاحًا عبر بعض الشركات الخليجية وكذلك بعض المؤسسات الإعلامية الممولة خليجيًا، والتي ينتمي العاملون فيها لدول عربية.
يجب السعي لأن تضاهي الأكاديميات والجامعات العربية الجامعات المرموقة في العالم
إنّ إنشاء جامعات ومراكز أبحاث تحت مظلة الجامعة العربية سيكون له رونقه الكفيل بإعطاء مثل هذه المؤسسات دفعة قوية، خاصة إذا كانت القواعد والنُظُم التي سوف تؤسس عليها تتسم بالكفاءة اللازمة، وأن تتحرّر من البيروقراطية التي تكبّل التعليم والبحث العلمي بالعالم العربي.
وتستطيع هذه المؤسسات في البداية أن تعتمد على التمويل الجماعي من الدول العربية كسائر مؤسسات العمل العربي المشترك، ولكن بعد فترة قصيرة يمكن أن تعتمد على مصروفات الطلاب، مع مراعاة أن يأتي جزء من طلابها عبر منح تعليمية مجانية وشبه مجانية للطلاب المتفوقين، مع التمييز الإيجابي للفئات والدول الأفقر.
ولكي تكتسب مثل هذه المؤسسات ميزة إضافية، يمكنها استغلال شبكة علاقات الجامعة العربية الخارجية لإبرام اتفاقات مع جامعات أجنبية عريقة لتكون شهادتها معادلة لها، كما يمكن استعارة جزء من أعضاء هيئة التدريس، والمناهج من الجامعات الدولية. ولكن يجب أن تتم مثل هذه الاتفاقات مع الجامعات الأجنبية بشكل فعال، لا أن تصبح مجرد لافتات لجذب الطلاب مثل الجامعات ذات المسميات الأجنبية بالمنطقة، بل يجب السعي لأن تضاهي هذه الأكاديميات والجامعات العربية المقترحة الجامعات المرموقة في العالم.
كما يجب أن يتم اختيار أعضاء هيئات التدريس بشكل احترافي لا أن يكونوا ممثلين للدول الأعضاء، ويجب الاستعانة بالأكاديميين العرب في المهجر، ومنح هذه المؤسسات الحريات الإدارية والأكاديمية اللازمة، والمقبولة في ظل الظروف العربية الحالية.
يمكن أن تضم هذه الجامعات مراكز بحثية متخصصة، لأنّ إنشاء مثل هذه المراكز بشكل منفصل سيكون صعبًا بالعالم العربي بدون دعم مالي كامل من الحكومات في ظل صعوبة تمويل البحث العلمي من القطاع الخاص، بينما الجامعات يمكنها الاعتماد على مصروفات الطلاب بالأساس.
من الأهمية بمكان مراعاة أنّ هذه المؤسسات الجامعية، بقدر حاجتها لتصبح ذات طابع عالمي بما في ذلك إعطاء أولوية للغة الإنجليزية، إلا أنها يجب ألا تقع في فخ الجامعات ذات اللافتات الأجنبية والتعليم الخاص بالمنطقة، الذي يتجاهل اللغة العربية لدرجة ليس مستفزة قوميًا فحسب، بل مضرة حتى لمستوى الخريجيين، خاصة بالمجالات الأدبية حيث أصبحنا نرى خريجي كليات إعلام من الجامعات الخاصة العربية لا يجيدون العربية.
فهذه المؤسسات الأكاديمية المقترحة يجب أن تكون جسرًا حضاريًا بين العالم العربي وبقية العالم، لا كجزر أجنبية منعزلة جديدة في الأرض العربية. وهذا سيمكّنها من أن تدلي بدلوها في عملية تعريب العلوم، الذي لا يمكن أن يبدأ إلا بترسيخ هذه العلوم أولًا في بلادنا وخلق نخبة علمية تجيد العربية واللغات الأحنبية.
ومن الأفضل أن يكون هناك تعدد في هذه المؤسسات المقترحة وتنوع بين الأكاديميات المتخصصة والجامعات العامة لتوسيع الفائدة وخلق منافسة بينها.
المؤسسات الأكاديمية والبحثية تخلق فرصة لحراك العنصر البشري العربي الكفؤ عبر الحدود
إنّ الاتحاد الأوروبي رغم ثراء دوله الكبرى، اتجه للمؤسسات الفنية المتخصصة متعددة الأطراف، بل إنّ هناك مشروعات علمية عالمية تشارك فيها القوى الكبرى المتنافسة مثل المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي.
فالتطور العلمي الحالي، يجعل التعليم والبحث العلمي والمشروعات العلمية المتخصصة عمليات مكلفة، كما أنّ تعدد الجنسيات عامل إثراء.
وهذه المؤسسات الأكاديمية والبحثية المقترحة ستخلق فرصة لحراك العنصر البشري العربي الكفؤ عبر الحدود، وتشييد نموذج تعليمي وبحثي عربي، خاصة أنّ كثيرًا من التحديات متشابهة بين الدول العربية مثل مشكلات الصحة والتصحر ونقص المياه والتغيّر المناخي وغيرها.
فقد يُصلح العلماء ما أفسدته السياسة، وأخفق فيه الاقتصاديون.
(خاص "عروبة 22")