وجهات نظر

لماذا لا نلجأ لقرار "الاتحاد من أجل السِلم"؟

قبل أكثر من خمسة شهور من الآن، كتب ياسر عبد الرحيم على شبكة الجزيرة الدولية تدوينة بعنوان "الاتحاد من أجل السِلم في غزّة"، دعا فيها إلى اللجوء لقرار الاتحاد من أجل السِلم الصادر في عام ١٩٥٠، والذي يجيز للجمعية العامة للأمم المتحدة - بطلب من تسعة من أعضاء مجلس الأمن لا يُشترط أن يكون بينهم الأعضاء الخمسة الدائمون أو بأغلبية أعضاء الجمعية العامة - التصدّي لموضوع ترى فيه تهديدًا للسِلم والأمن الدوليين، ويعجز مجلس الأمن عن الاضطلاع بمسؤولياته ذات الصلة بسبب استخدام حق "الڤيتو" من قِبَل واحد أو أكثر من أعضائه الدائمين.

لماذا لا نلجأ لقرار

هذا القرار الذي مثّل في حينه مخرجًا من حالة الشلل التي أصابت منظمة الأمم المتحدّة، وجد ياسر عبد الرحيم أنه قد آن الأوان لتفعيله بعد أن استخدَمَت الولايات المتحدة "الڤيتو" في ديسمبر الماضي لمنع صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزّة.

والآن، بعد تكرار استخدام الولايات المتحدة "الڤيتو" ضد وقف إطلاق النار رغم سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، يثور السؤال: "لماذا لم نرَ تحرّكًا عربيًا حتى الآن في داخل الجمعية العامة لتفعيل العمل بقرار الاتحاد من أجل السِلم؟".. لقد كانت للجمعية العامة مجموعة من المواقف المشرّفة التي اتخذتها على مدار الشهور الثمانية الماضية، ومنها تصويت ١٥٣ عضوًا من أصل ١٩٣ عضوًا لصالح قرار يقضي بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزّة لأسباب إنسانية في شهر ديسمبر الماضي، وتصويت ١٤٣ عضوًا مقابل امتناع ٢٥ واعتراض ٩ لصالح قرار يقضي بأحقية دولة فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدّة في شهر مايو الجاري. ومعنى هذا أنّ هناك قاعدة دولية داعمة يمكن الاستناد إليها في تحريك طلب تطبيق قرار الاتحاد من أجل السِلم.

من المفهوم أنّ الدعوة لمثل هذا التحرّك سوف تُواجَه بانتقادين أساسيين، أحدهما سياسي والآخر قانوني، ومن المهم في هذا المقام التعامل مع كلا الانتقادين بالتحليل والمناقشة.

ثمّة أمل في أن تعيد المتغيّرات تشكيل المشهد الدولي وتمثّل عنصر ضغط على صانع القرار الأمريكي

بالنسبة للانتقاد السياسي، فإنه يتأسّس على أنّ الظروف الدولية التي سمحَت بتفعيل قرار الاتحاد من أجل السِلم كما في حالة العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ تختلف عن نظيرتها اليوم، حيث كانت موازين القوى تميل لصالح كلٍ من الولايات المتحدّة والاتحاد السوڤيتي اللذين كانا على قلب رجل واحد في إنهاء العدوان لأسباب مختلفة مما سهّل تنفيذ قرارات الجمعية العامة.

والردّ على ذلك هو أنه من الصحيح أنّ تغيَرًا حدث في توازنات القوى الدولية مقارنةً بما كانت عليه في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وأنّ الولايات المتحدّة منحازة بشكلٍ كامل لصالح إسرائيل، وأنّ كلًا من روسيا والصين رغم موقفهما الداعم للحقوق الفلسطينية إلا أنّ دعمهما محسوب وهما ليستا في وارد الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة بخصوص الوضع في غزّة. لكن من الصحيح أيضًا أنّ ثمة تغيّرًا في المشهد الدولي عمومًا وفي المواقف الأوروبية حيال الحرب على غزّة خصوصًا، وإلا مَن كان يتصوّر مثلًا أنّ فرنسا التي كانت تمنع التظاهر لنصرة غزّة في الشهور الأولى للحرب تصوّت داخل مجلس الأمن لصالح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة؟.

والأهم من ذلك هو التغيّر في داخل الولايات المتحدة نفسها، فمَن كان يتصوّر أن تجتاح انتفاضات الطلاب كبريات الجامعات الأمريكية؟. والخلاصة أنّ ثمّة أملًا ولو كان محدودًا في أن تعيد هذه المتغيّرات تشكيل المشهد الدولي المحيط بالحرب على غزّة، وتمثّل عنصر ضغط على صانع القرار الأمريكي.

وبالنسبة للانتقاد القانوني، فإنه يذهب إلى التشكيك في جدوى الانتصارات القانونية الدولية طالما لا توجد الآليات اللازمة لتجسيدها واقعيًا. وبالتالي فكما استخفّت إسرائيل بقرارات محكمة العدل الدولية وبيان المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فالأرجح أنها ستفعل الشيء نفسه في حالة اللجوء لقرار الاتحاد من أجل السِلم.

سقط النموذج الزائف الذي صنعته إسرائيل لنفسها باعتبارها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط

والرد على ذلك هو أنه حتى لو أنّ المتغيّرات الدولية والداخلية التي سبقت الإشارة إليها لم تفعل فعلها، فإنّ هذا لا يجعل الانتصارات القانونية معدومة القيمة. ولو كانت كذلك لما ثارت ثائرة المسؤولين الإسرائيليين ولا كالوا الاتهامات لكلتا المحكمتين.

تدرك إسرائيل أنّ الشك في ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، والتأكيد على ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تهدم النموذج الزائف الذي صنعته لنفسها منذ نشأتها باعتبارها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، فاليوم سقط هذا النموذج ولا تُرى صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي في المظاهرات العارمة حول العالم إلا وهي ملطّخة بدماء أطفال فلسطين. وهذا الأثر المعنوي لا يجب إغفال أهميته بتاتًا.

تحتاج منّا المقاومة الفلسطينية إلى كل الدعم والإسناد وهي تخوض معركة التحرّر من آخر استعمار استيطاني في القرن الحادي والعشرين، وبعض هذا الدعم والإسناد يتمثّل في توظيف كل ما بأيدينا من أدوات حتى وإن بدت لنا ظاهريًا محدودة الأثر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن