صحافة

الشرق الأوسط بعد عامين على حرب غزة

عمرو حمزاوي

المشاركة
الشرق الأوسط بعد عامين على حرب غزة

من المؤكد أن هناك أسبابا عديدة أدت إلى اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023 أبرزها توسع رقعة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية حيث عمدت حكومة نتنياهو خلال السنوات الأخيرة على فرض حصار مستمر على قطاع غزة وزيادة المستوطنات بالضفة الغربية والقدس ومحاولة القضاء على فكرة حل الدولتين. وكل ذلك وسط تطبيع كلي بين بعض الدول العربية مع إسرائيل رغم الانتهاكات التي يمارسها الكيان علنا وأمام مرمى العالم ضد الشعب الفلسطيني. كل هذه الأمور تعد أسبابا رئيسية في اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023.

غير أن المؤكد أن "حماس" ارتكبت جرائم إبادة في 7 أكتوبر تتمثل في اختطاف وقتل للمدنيين العزل وتسببت في تعريض أهالي غزة لجرائم قتل وتجويع وإبادة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي طوال العامين الماضيين. كان يجب على حماس مراعاة المدنيين والمحافظة على حياتهم وعدم الخلط بين مفهوم المقاومة وتعرض حياة المدنيين للخطر، فالمقاومة حق مشروع لأي شعب محتل لكن مع الحفاظ على الأرواح المدنية ودون التورط في جرائم عنف وإرهاب لا يمكن إنكارها.

ما قامت به "حماس" في 7 أكتوبر 2023 كان فرصة على "طبق من فضة" بالنسبة لإسرائيل حيث عمدت حكومة اليمين المتطرف إلى خلق بيئة طاردة للحياة من خلال قطع الماء والكهرباء وفرض حصار على أهالي القطاع وإجبارهم على مغادرة أراضيهم كمحاولة لتصفية القضية ولولا بطولة الشعب الفلسطيني وصموده لكان حدث ذلك بالفعل. كما كانت 7 أكتوبر 2023 فرصة لحكومة نتنياهو للعمل على السيطرة على المشهد السياسي الإسرائيلي بتصعيد الحرب لجبهات عديدة وشاهدنا ذلك أمام أعيننا بضرب قوات الاحتلال للبنان وتحرك الآلات العسكرية الإسرائيلية إلى الأراضي السورية بعد سقوط بشار الأسد بحجة تأمين حدودها فضلا عن شنها حرب على إيران وحلفائها الحوثيين و"حزب الله" بدعم أمريكي بهدف خلق قوة إسرائيلية ومهيمنة بالشرق الأوسط تستطع تنفيذ ما يحلم به نتنياهو ويمينه المتطرف وهو السيطرة على غزة والقدس والضفة الغربية بشكل كامل.

فحكومة نتنياهو تعد من أكثر الحكومات المتطرفة التي حكمت إسرائيل، ولولا صمود الشعب الفلسطيني في وجه جرائم الإبادة الإسرائيلية ومعه الحاضنة العربية والعالمية المتعاطفة لكانت القضية العادلة قد صفيت. ولم يكن لحرب غزة أن تتواصل طوال العامين الماضيين لولا عدم جدية طرفيها في وقف إطلاق النار. بمعنى أنه حال وقف الحرب وتوقيع اتفاقية سلام من المؤكد أن حكومة بنيامين نتنياهو ستكون في وضع سياسي أصعب بكثير من وضعها الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لحركة حماس فبعد حالة الدمار حلت على قطاع غزة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 لن تكون حماس مسيطرة ومهيمنة على القطاع كما كانت قبل الحرب وسيتراجع دورها في المسألة الفلسطينية برمتها.

ومع الأسف، تمكنت إسرائيل من أن تحقق عدة مكاسب استراتيجية خلال حرب غزة حيث استطاعت أن تحول القطاع لمنطقة غير صالحة لحياة البشر بعد أن شنت عملية عسكرية استهدفت تدمير البنية التحتية ومرافق المياه والكهرباء وقتل عمدي للمدنيين. كذلك طرح اليمين الإسرائيلي المتطرف جريمة تهجير الفلسطينيين وطردهم خارج القطاع كسياسة ممكنة التنفيذ وفي ظل حصار شامل للقطاع ومنع لدخول أي مساعدات. كذلك نجحت إسرائيل في شن حرب ضد وكلاء إيران بالمنطقة وهزيمتهم ثم ضد إيران وتوجيه رسالة لدول المنطقة بأنها قوة عسكرية واستخباراتية كبيرة ولا تقهر.

وقد رتبت الهجمات الإسرائيلية على إيران وبمساعدة أمريكية إعادة المشروع النووي الإيراني إلى الوراء وأنهت الصورة الإقليمية لإيران كقوة قادرة على منازعة إسرائيل. غير أن حلم اليمين المتطرف في إسرائيل بأن يكون هناك شرق أوسط مفتت ومقسم ويحول إلى دويلات تحكمها حكومات مفتتة ومنقسمة وصغيرة لا تملك القوة على مقاومة السيطرة الإسرائيلية، ذلك الحلم المجنون يظل مستحيل التحقيق. فالحكومة الإسرائيلية الحالية أصبحت من وجهة العالم بأكمله حكومة دموية ولا ترغب في أي سلام أو استقرار، وظهر ذلك خلال رد فعل بعض الدول العربية التي كانت قد طبعت مع الحكومة الإسرائيلية في السنوات الماضية والتي ترى حاليا أن نتنياهو مجرم حرب وعنصر عدم استقرار في المنطقة. فالحديث عن مشروع "شرق أوسط جديد" في ظل انتهاكات الحكومة الإسرائيلية وجرائم الإبادة التي ترتكبها خيال مريض وغير قابل للتحقيق.

ولكي نتجاوز ذلك، علينا مخاطبة الشعب الإسرائيلي ذاته وليس الحكومة وإقناعه بأن حكومته ترتكب جرائم ابادة وقتل ضد مدنيين أبرياء ضد أهالي قطاع غزة وفي الضفة الغربية ولن ترتب سوى ظهور جيل فلسطيني يحلم بالانتقام الأمر الذي سينعكس بشكل سلبي على أمن المواطن الإسرائيلي في الدخل والخارج، خاصة في ظل تغير موقف بعض الدول التي كانت متعاطفة مع إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر من التعاطف إلى اتهام الحكومة الإسرائيلية بأنها ترتكب جرائم حرب. علينا مخاطبة الشعب الإسرائيلي وإقناعه أن التطبيع الذي تم مؤخرا مع حكومته لن يحقق أي سلام بل سيكون حبرا على ورق ما لم تحل القضية الفلسطينية والتأكيد على أن الأمن الحقيقي للمواطن الإسرائيلي يكمن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن