الحكومة المصرية الحالية، تجاوزت هذا الخط بعد أكثر من 30 عامًا على آخر زيادة، بقرار لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، حينما أعلن رفع سعر رغيف الخبز المُدعم من 5 قروش إلى 20 قرشًا، بزيادة نسبتها 300%، مع إعطاء إشارة بأنّ هناك زيادات أخرى في الطريق ستشمل الكهرباء والأدوية.
وتؤكد الحكومة المصرية أنّ قرار زيادة أسعار الخبز، سيوفر للموازنة العامة المنهكة 115 مليار جنيه، وتعهدت بالإبقاء على دعم الخبز ودعم أفقر المستهلكين للكهرباء. وبالمثل شددت على أنّ القرار نابع من سياسة مصرية خالصة، بحسب المتحدث الرسمي للحكومة.
اتجهت أنظار عامة الناس كما أنظار المراقبين، فور صدور القرار إلى صندوق النقد الدولي وشروطه التي إن لم تنفذها الحكومة المصرية قبل المراجعة المقبلة فستُحرم من شرائح القرض المتفق عليه، وفي أول تحرك برلماني بعد قرار الزيادة وجه البرلماني المعارض فريد البياضي سؤالًا إلى الحكومة: "إذا كانت هناك تعليمات من مؤسسات دولية - في إشارة لصندوق النقد - برفع الدعم فمن غير المقبول أو المنطقي أن يتم ذلك قبل زيادة المساعدات"، معتبرًا أنّ دعم الخبز أمن قومي، تجاوزته حكومة "التعاسة" حسب تعبيره.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر في تصريح لـ"عروبه 22" أنّ الحكومة تنفّذ شروط الصندوق، منبهًا إلى أنّ "الاعتماد على جيب المواطن حل غير صحّي ولا صحيح وله نتائج وخيمة".
لم ينكر رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصريـ فخري الفقي أنّ قرار رفع الخبز أحد أبرز أطروحات لجنة صندوق النقد، وأنّ رفع الدعم يتم بشكل تدريجي ومحدد لتتمكن الحكومة من ضخ اسثتمارات جديدة ودخل نقدي في خزينة الدولة، لكنّه رفض في حديثه مع "عروبة 22"، تحديد تأثير القرار على المواطن، واعتبر أنّ التأثيرات لن تتضح في الوقت الحالي، لافتًا إلى ما تقدّمه الحكومة من "مبادرات اجتماعية مثل التغذية المدرسية وتوزيع بعض السلع بأسعار مخفضة وتنظيم القوافل الطيبة في المناطق الفقيرة".
لم يكن ذلك القرار هو الأول من نوعه في تخفيض دعم الخبز، إذ لجأت من قبل إلى وسائل "احتيالية" لتخفيض الدعم بشكل غير بمباشر، إذ تم خفض وزن الرغيف المدعم من 160 جرام إلى 120، ثم لاحقًا من 120 جرامًا إلى 90، ولجأت مؤخرًا إلى آلية أخرى باستبدال دقيق القمح استخراج 82% بدقيق أقل جودة استخراج 86%. وأدت هذة الإجراءات إلى توفير نحو 2 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
ويأتي القرار "الصادم" عقب إتمام القاهرة صفقه "رأس الحكمة" التي وفّرت للخزانة 36 مليار دولار، وفي خضم حصول مصر على زيادة فى القرض الأخير من صندوق النقد وأكثر من 9 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي.
لكن بيانات المركزي المصري عن التزامات الدولة المصرية تكشف عن عجز كل هذه المليارات عن إحداث إنفراجة فى عامي 24 و25، إذ لا تزال هناك فجوة تمويلية بنحو 28 مليار دولار تمثّل مجموع أقساط وفوائد الديون، فضلًا عن ديون شركات البترول العاملة فى مصر باتفاقيات مع الحكومة المصرية.
ويرى الخبير الاقتصادي عادل عامر، أنّ على الحكومة الاعتماد على المشروعات التي تدر عائدًا بدلًا من اللجوء إلى جيوب المواطن، مشددًا على أنّ المواطن لن يتحمل الاستمرار فى إجراءات رفع الدعم خاصة عن الخبز، "والشعب لم يتمكن في مرحلة ما من تحمّل التكاليف الباهظة المفروضة عليه"، فيما يرى رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان فخري الفقي أنه على الرغم من صعوبة الإجراءات على المواطنين إلا أنّ "المصريين أصبح لديهم وعي كافٍ بأنّ هذه القرارات ستصب في مصلحتهم بالنهاية".
المثير أنّ الحكومة المصريه لجأت إلى رفع الدعم بشكل مباشر وغير مباشر، وتجاهلت أحد الحلول التاريخية لتقليل فاتورة دعم رغيف الخبز، فمنذ رحيل وزير التموين الأسبق الاقتصادي اليساري البارز الدكتور جودة عبد الخالق عن منصبه قبل 10 سنوات، أوقف الدكتور خالد حنفي قرار إنتاج رغيف الخبز بالدمج بين القمح والذرة.
كان الرغيف المدعوم منذ سنوات طويلة ينتج بخليط دقيق 70% وذرة 30%، وكان هذا الخلط يمنع تسرب القمح والدقيق إلى استخدامات أخرى، كما أنّ هذا الدمج كان يقلل من استيراد القمح الأغلى سعرًا بنحو 30%.
وفي مذكراته التي أصدرها بعد رحيله عن الحكومة تحت عنوان "من الميدان إلى الديوان" يتهم عبد الخالق لوبي الاستيراد وكبار مصدّري القمح لمصر مثل أمريكا بالضغط على الحكومة حتى لا تخلط القمح بالذرة، حفاظًا على مكاسبهم. وتُعد مصر أكبر مشتري القمح من الأسواق العالمية، لكن في العام الماضي انتزعت الصين هذا اللقب منها بعدما تعدت وارداتها 12 مليون طن.
إذًا.. ترفع الحكومة المصرية الأعباء تباعًا على المواطنين، متجاهلةً حالة الأنين العام التي بلغت مداها خلال الشهور الأخيرة، ولا تضع في حسبانها الوقت الذي سيتحوّل فيه هذا الأنين إلى صراخ ثم إلى حركة سريعة لن يستطيع أحد أن يخمدها!.
(خاص "عروبة 22")