يوصي المختصون بإزالة العقبات أمام تحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وتحقيق المساواة، باعتبارها أسسًا مُرسّخة لا محيد عنها لتحقيق التّنمية. وكمدخل عام للتفكير في الموضوع، تُعدّ تحديثات القطاع المصرفي والتجاري جوهرية في بلوغ هذه التحوّلات، ممّا يتطلب إزالة مثبطات الإقلاع التجاري والاستثمار داخل المنطقة في سياق اقتصاد تكاملي شمولي.
الوعي بالتكامل الاقتصادي مرفوقًا بالإرادة السياسية يُبطل هيمنة القوى العالمية والإقليمية في المنطقة
ويمكن لدول الخليج من خلال حيوية أنشطتها المتنوعة ودينامية استثماراتها في البنية التحتية التجارية، أن تقود هذا التحوّلات بشكل وظيفي، بخاصة أنها الآن تتميّز بوعي متقدّم في الاستثمار الرقمي والقدرة على تحسين الشمول المالي والنمو الاقتصادي، فضلًا عن إصلاحاتها السياسية لخلق قطاع مصرفي تنافسي وجذب رأس المال الاستثماري للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الماليّة.
صحيح أنّ هناك قوى عالمية وإقليمية تلعب الدّور نفسه في المنطقة، خصوصًا أمريكا والصّين الّلتان تسعيان إلى بلورة مواقف سياسية إقليمية تهدف إلى تحقيق التحوّل الجيوسياسي والجيلي بما يتلاءم مع المنظور الإستراتيجي لكلّ واحدة منهما. لكن حصول الوعي الوظيفي بالتكامل الاقتصادي مرفوقًا بالإرادة السياسية لدول الخليج في تحقيق هذا الهدف، سيُبطل هيمنة هذه القوى في المنطقة، ويجعلها شريكًا في إطار سيادي عربي ينطلق من مصلحة المنطقة لا غير. وهذا ما يجعلها عبر شمال أفريقيا، باعتباره مغربًا عربيًا، تتفوّق في الاستثمار النّافع في القارة الأفريقية التّي أصبحت "محرّك النمو" للاقتصادات المتعثّرة في بقية أنحاء العالم.
هذه النظرة إلى أفريقيا كأرض اقتصادية جديدة يجب أن لا تنسينا أنّ القارة لها روابط قديمة مع القارات المجاورة: العالم العربي، وآسيا. هنا، يجب أن نشير إلى أنّ هيكلة القطاع المصرفي والمالي في أفريقيا تستفيد من الروابط التاريخية خلال الثلاثين سنة الأخيرة مع آسيا والعالم العربي، جنبًا إلى جنب مع نشوء مجموعات بنكية كبيرة برؤوس أموال أفريقية خاصة، مثل "بنك أوف أفريكا".
ففي السنوات الأخيرة تعزّزت الروابط بين العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، نظرًا إلى القرب الجغرافي وإلى التقارب الاجتماعي والثقافي. كما لا ننسى اشتراك الدول العربية والأفريقية، أيضًا، في تأثيرات مشتركة في المجال المصرفي والمالي.
توسّع وجود البنوك العربية في أفريقيا يمكن أن يشكّل وجهًا للمنافسة وتحقيق السيادة الاقتصادية والمالية عربيًا وأفريقيًا
لقد تطوّرت هذه الأنظمة المصرفية بشكل كبير منذ عقد التسعينيات، مدفوعة بطلب ديناميكي متزايد وبتطوير رغبة في الابتكار التكنولوجي (مثل البنوك عبر الإنترنت، العمليات المصرفية عبر الهاتف المحمول، إلخ). وإذا كانت للدول الأفريقية والدول العربية اهتمامات مشتركة ومشاكل تتعلّق بانخفاض معدلات الشمول المالي، إذ العديد من البنوك ذات السيولة الفائضة والنظام المصرفي والمالي تُعاني من صعوبة في تمويل احتياجات الاقتصاد (لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة)، فإنّ المدخل لحل هذه المشاكل ينطلق من إحداث إصلاحات سياسية واجتماعية تتميّز بالجرأة والنّجاعة.
لذلك، فإذا كانت البنوك الأفريقية والعربية تستمر في إقامة روابط تجارية وتشغيلية قوية مع أوروبا (حيث يُقدّر أنّ جزءًا كبيرًا من التدفقات بين البنوك في منطقة الفرنك الأفريقي تمرّ باليورو عبر المؤسسات الأوروبية/الفرنسية)، فإنّ مطلب الإصلاح يُحتّم على البنوك العربية أن تُوسّع وجودها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال إنشاء فروع أو تدفقات تمويل البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية أو صناديق الاستثمار. وهذا منحى استراتيجي واعٍ يمكن أن يشكّل وجهًا ملائمًا للتّدافع والمنافسة وتحقيق السيادة الاقتصادية والمالية عربيًا وأفريقيًا.
(خاص "عروبة 22")