على الرَّغم من أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت نتائجَ سيئةً في مجال عدم المساواة الاقتصادية - إذ امتلك أغنى 1% من السكان في عام 2022 ما نسبته 43% من الثروة، مع تصاعد الفجوة في توزيع الثروة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ووجود 150 مليون شخص يعيشون في فقر، من بينهم 85 مليونًا في فقرٍ مدقعٍ - إلّا أنّ أداءها في الأبعاد الأخرى كان متباينًا.
يعزّز التفاوت والأزمات بعضهما فالأزمات تخلق التفاوتات وتفاقمها ويؤدي التفاوت إلى اندلاع الأزمات أو تعميقها
في الوقت نفسه، شهدت منطقة الشرق الأوسط أزماتٍ متعدّدةً في السنوات الأخيرة، شملت أزمات اقتصادية ومؤسّسية وأخرى مرتبطة بالنزاعات. وهي ظاهرة مُدمّرة تؤدي فيها التفاعلات بين الأزمات الفردية إلى مستوى من الضرر يتجاوز الأثر التراكمي لكلّ أزمةٍ على حدة.
والأهمّ من ذلك أنّ تصاعد مخاطر الأزمات المتعدّدة يزيد من تفاقم التفاوت متعدّد الأبعاد. وسيؤدي هذا المزيج إلى تقويض مرونة المجتمع وزيادة معاناة أولئك الذين يعانون أصلًا من التهميش. وبالتالي، يعزّز التفاوت والأزمات بعضهما البعض: فالأزمات تخلق التفاوتات وتفاقمها، في حين يؤدي التفاوت إلى اندلاع الأزمات أو تعميقها.
كما يتّضح من الرسوم البيانية(1) أعلاه، انخفضت التفاوتات المتعدّدة الأبعاد بشكلٍ طفيفٍ في المنطقة ككلّ ما بين عامَي 2015 و2021 (وهو آخر عام تتوفّر فيه البيانات). ويُعزى هذا الانخفاض إلى تراجع التفاوتات في البلدان ذات الدخل المرتفع. غير أنّ الوضع في البلدان المنخفضة الدخل، والمتضرّرة من النزاعات، والأقل نموًّا، كان مخالفًا لهذا الاتجاه العام؛ إذ ازدادت فيها التفاوتات المتعدّدة الأبعاد، التي كانت أصلًا عند مستوى مرتفع.
علاوةً على ذلك، تُعدّ أكثر أنواع عدم المساواة انتشارًا في المنطقة العربية: عدم المساواة الاقتصادية، وعدم المساواة الشبابية، وعدم المساواة في الحصول على وحدة الغذاء والتمويل.
ومن بين هذه الأنواع بالتحديد، فإنّ عدم المساواة في الحصول على التمويل هو الوحيد الذي يشهد انخفاضًا. والخبر السارّ هو أنّ عدم المساواة بين الجنسَيْن، وعدم المساواة في الحصول على التعليم والتكنولوجيا، آخذان في التراجع.
النزاعات والفقر يُولّدان اليأس والتطرّف ممّا يؤدّي إلى تفاقم حرمان السكان من الدخل والنموّ
ومنذ عام 2015 على الأقلّ، ازداد خطر حدوث أزماتٍ متعدّدةٍ في بلدان المنطقة العربية، وتحديدًا: أزمات الصراع والحرب والاحتلال، والأزمة الاقتصادية، والأزمة المؤسّسية أو أزمة الحوْكمة. وعلى الرَّغم من أنّ التفاوت المتعدّد الأبعاد لم يَزْدَد، فإنّ ارتفاع خطر حدوث أزمات متعدّدة يُمثّل خطرًا واضحًا بزيادة هذا التفاوت. وكان هذا الاتجاه ملحوظًا بشكلٍ خاصّ في البلدان المنخفضة الدخل، والأقل نموًّا، والمتضرّرة من الصراعات. ففي هذه البلدان، تضخّم تأثير كلّ أزمة جديدة، بخاصة بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا من السكان. وغالبًا ما كانت البلدان المُتضرّرة مقيّدةً في استجاباتها بسبب محدوديّة الموارد، ممّا أدّى إلى حلولٍ قصيرة الأجل عرّضت التنمية المُستدامة على المدى الطويل للخطر وأدامت التفاوتات بين الأجيال. والنتيجة هي حلقة مفرغة تتضخّم فيها التحدّيات المُجتمعيّة وتستمرّ دورات عدم الاستقرار والتفاوت.
من الواضح أنّ البلدان العربية ذات الدخل المنخفض والمتضرّرة من النزاعات (مثل سوريا ولبنان واليمن) كانت الأكثر تضرّرًا من الأزمة والتفاوت المتعدّد الأبعاد خلال العقد الماضي، في حين أنّ البلدان ذات الدخل المتوسط (مثل المغرب والأردن) والبلدان ذات الدخل المرتفع (مثل دول مجلس التعاون الخليجي) كانت في وضعٍ أفضل. ولكن في الواقع، ليس من المُستغرَب أن تكون البلدان العربية ذات الدخل المنخفض والمتضرّرة من النزاعات قد عانت من عدم المساواة متعدّدة الأبعاد، إذ إنّ النزاعات والفقر يُولّدان اليأس والتطرّف، ممّا يؤدّي بدورِه إلى تفاقم النزاعات وحرمان السكان من الدخل والنموّ.
مهمّة بناء الأمّة والاقتصاد عملية شاقّة وطويلة الأمد على عكس انهيار الأمّة والاقتصاد السريع والمُدمّر
والسؤال: ماذا يمكن فعله حيال ذلك؟ كاستجابةٍ عامةٍ ومُختصرةٍ، ينبغي أن تستند السياسات إلى العلاقة المتبادلة والإيجابية بين تدابير بناء السلام، والتدابير الإنسانية، وتدابير التنمية. وفي هذا المجال، تُركّز تدابير بناء السلام على حلّ النزاعات وتعزيز المؤسّسات؛ وتشمل التدابير الإنسانية المُساعَدة المالية الدولية وبناء القدرات؛ في حين تُركّز تدابير التنمية على النموّ والحماية الاجتماعية.
بالطبع، هذا ليس بالأمر السهل، فمهمّة بناء الأمّة والاقتصاد عملية شاقّة وطويلة الأمد، على عكس انهيار الأمّة والاقتصاد السريع والمُدمّر. لكن الأمر يستحقّ العناء، فقد عانت هذه البلدان بما فيه الكفاية، وحان الوقت - بل في الواقع، لقد تأخّر الوقت كثيرًا - لوضع مصيرها على المسار الصحيح!.
(1) اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، عدم المساواة في العالم العربي: أزمة فوق أزمة، 2024
(خاص "عروبة 22")