قضايا العرب

استدعاء "الحرب الباردة" في السودان وليبيا

في تصعيد جديد لحروبهما السرية في منطقة الشرق الأوسط، سعت أمريكا وروسيا لتعزيز وجودهما العسكري في ليبيا والسودان على تخوم السواحل العربية في البحرين المتوسط والأحمر. وباتت سواحل ليبيا والسودان، فرصة لإعادة مصطلح "التدافع من أجل أفريقيا" الذي تمت صياغته نهاية القرن التاسع عشر، لوصف الجهود التي تبذلها القوى الاستعمارية الغربية التقليدية لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

استدعاء

تزامنًا مع تلويح السودان بمنح روسيا قاعدة بحرية في البحر الأحمر، سعت أمريكا لإقناع قادة الميلشيات الليبية المسلحة للتوافق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة جديدة للتصدي لما تراه واشنطن تصعيدًا في وتيرة الوجود العسكري الروسي.

مؤخرًا كشف الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة الحاكم في السودان، وأحد أبرز معاوني قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، النقاب عن تعاون عسكري مع روسيا تحصل الأخيرة بموجبه على قاعدة عسكرية مقابل إمداد عاجل للجيش السوداني بالأسلحة والذخائر.

وضع مساعد البرهان، السلاح مقابل التموضع على البحر الأحمر، وتطوير التعاون العسكري المقترح إلى شراكة استراتيجية طموحة تضم أيضًا جوانب اقتصادية.

وبدأ مالك عقار نائب البرهان، زيارة إلى روسيا سلّم خلالها رئيسها فلاديمير بوتين رسالة خطية من رئيسه، بالإضافة إلى أجندة أخرى قال إنه "سيتطرق إليها الاجتماع في إطار العلاقات الثنائية السودانية الروسية وسنفصح عنها في مقبل الأيام".

لهذا لم يتأخر الدخول الأمريكي على الخط، إذ سارع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى التحدث هاتفيًا مع البرهان، مشددًا على ضرورة الذهاب إلى جدّة لاستئناف محادثات إنهاء الصراع في السودان. وعقب هذه المحادثة، قال مالك عقار، بوضوح "لن نذهب إلى جدة ومن يرد ذلك فعليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة"، مستنكرا ما وصفه "الاحتقار والاستخفاف" الأمريكي للسودان.

بعد سنوات من التردد ومكائد المخابرات الأمريكية، تتجه روسيا لإنهاء إخفاقها في الحصول على قاعدة في السودان، حيث كان تطوير العلاقات الودية التقليدية بين روسيا والسودان، الهدف الأساسي لرحلة عمل إلى بورتسودان قام بها المبعوث الروسي الخاص لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف الذي التقى البرهان ونائبه مالك عقار.

واعتبر السفير السوداني لدى روسيا محمد الغزالي أنّ ما نُشر على لسانه بشأن عدم تخلي السودان عن التزامه ببناء هذه القاعدة غير دقيق، وقال: "ننظر لموضوع نقطة الدعم اللوجستي في إطار تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين". وتابع في حديثه مع "عروبة 22": "روسيا والسودان وقعتا على اتفاقية نقطة الدعم اللوجستي بالبحر الأحمر عام ٢٠١٩، وتطبيقها على أرض الواقع مرهون باستكمال بعض الخطوات الإجرائية".

ولم يفصح الغزالي، عن ماهية هذه الاجراءات التي لا تزال تعطّل موسكو عن استخدام قاعدة "فلامنغو" في مدينة بورتسودان التي أُنشئت مطلع ستينيات القرن الماضي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، والقادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية.

وستسهل هذه القاعدة عمليات الأسطول البحري الروسي بالمحيط الهندي، إذ سيكون بمقدورها تبديل طواقم القطع البحرية المنتشرة عبر نقلهم جوًا إلى السودان.

صراع النفوذ من السودان إلى ليبيا

في الآونة الأخيرة، روّجت تقارير لاجتماع سري عقدته شركة "أمنتوم" الأمريكية مع عدد من قادة التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية بقاعدة بوستة البحرية بالعاصمة الليبية طرابلس، بحضور عدد من المسؤولين الأمريكان لمناقشة مشروع "الفيلق اللليبي – الأوروبي" النظير لـ"الفيلق الروسي" في ليبيا.

يفترض أن يضمّ الفيلق الجديد، 6 تشكيلات مسلحة تابعة، لحكومة الوحدة الليبية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وستُخصص له ميزانية خاصة من الأموال الليبية المُجمّدة بالخارج، وفق قرار مجلس الأمن الدولي.

وعبر شركة "أمنتوم" التي وصلت عناصرها إلى ليبيا بموجب اتفاق مع الدبيبة تحت غطاء توفير التدريب لمجموعات مسلحة عدة في العاصمة طرابلس، يبدو أنّ هناك تخطيطًا أمريكيًا  لتوحيد التشكيلات المسلحة الموالية للدبيبة واستخدامها لمواجهة النفوذ لروسي. لكن ورغم حضور مسؤولين أمريكيين اجتماعًا نظّمته الشركة مع مجموعة من قادة التشكيلات العسكرية، سارعت السفارة الأمريكية إلى نفي ما وصفته بتقارير كاذبة عن قيام الشركة بأنشطة تدريبية نيابةً عن الحكومة الأمريكية. لكنها أقرّت بأنّ هذه الشركة، شريك منفذ لبرنامج المساعدة في مكافحة الإرهاب، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، باعتباره المزود الرئيسي للحكومة الأمريكية، للتدريب على مكافحة الإرهاب ومنح المعدات لأجهزة إنفاذ القانون الأجنبية في أكثر من 150 دولة.

في المقابل تحدثت تقارير روسية عن اعتزام موسكو تشكيل ما يُسمّى بـ"الفيلق الأفريقي" ليحل محل قوات "فاغنر"، وسيكتمل هيكله قبل نهاية هذا العام، وينشط في ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر.

وفي مؤشر على تصاعد الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا في الأزمة الليبية، صعّدت السفارة الروسية في طرابلس مؤخرًا من وتيرة اشتباكها مع التقارير الرسمية الأمريكية التي تتحدث عن التواجد الروسي هناك. ومن جهته استغل القائد العام للجيش الوطني الليبي المُشير خليفة حفتر، اجتماعه مع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، للتأكيد على أهمية تطوير العلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والاقتصادية.

من وجهة نظر أمريكية، فإنه بات بإمكان الرئيس الروسي استخدام حفتر لتوجيه مسدس إلى رأس أوروبا، لكن من وجهة نظر بعض مساعدي حفتر الذين تحدثوا لـ"عروبة 22" فإنه من المنطقي وجود تعاون عسكري مع موسكو باعتبار أنّ معظم السلاح الذي يمتلكه الجيش الوطني روسي بالأصل. وقال أحدهم: "الأمر ليس لغزًا، لدينا سلاح روسي قديم وبحاجة للصيانة.. لدينا خبراء روس للمساعدة في هذا الإطار فقط".

غير أنه وعلى الرغم من تأكيد حفتر لزواره الأجانب والدبلوماسيين الغربيين، أنه لا ينوي منح روسيا قاعدة عسكرية في شرق ليبيا، تتهم واشنطن موسكو بالتخطيط لذلك في إطار توسيع نفوذها العسكري.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن