أحيانًا يُنظر للطاقة الشمسية في المنطقة العربية باعتبارها ترفًا يدعو له الغرب المهووس بالطاقات غير الملوّثة للبيئة، ولكن الواقع بالنسبة للعالم العربي، الذي يُعد واحدًا من أكثر مناطق العالم سطوعًا وجفافًا، فإنّ استخدام المقاربات الصحيحة كفيلة بجعل الطاقة الشمسية، موردًا اقتصاديًا تنافسيًا للكهرباء خصوصًا في ظل ندرة مصادر توليد الطاقة الكهرومائية بالمنطقة (وتحوّلها لمصدر خطر محتمل كما ظهر في مأساة إنهيار سد درنة)، والغياب شبه الكلي للطاقة النووية، أي أنّ الخيارات أمام أغلب الدول العربية هي محطات توليد الكهرباء من الوقود المستخرج من النفط أو الغاز الطبيعي.
وبينما النوع الأول مكلف وملوّث للبيئة، فإنّ النوع الثاني بات الأكثر شيوعًا، ولكن تُظهر أزمة انقطاعات الكهرباء في مصر، خطورة الاعتماد على الغاز كمصدر رئيسي وحيد في ظل ارتفاع أسعاره، وقابلية حقول الغاز للانزلاق في مشكلات فنية، بجانب حاجة عمليات التغويز (إعادة تحويل الغاز المسال لحالة غازية مجددًا) لمرافق ضخمة والتنافس العالمي على سفن التغويز، ونهم أوروبا لهذا المورد بعد حرب أوكرانيا.
هناك حاجة ماسة لإنشاء مركز عربي لأبحاث الطاقة الشمسية سواءً لتوليد الكهرباء أو تحلية مياه البحر
وتشير دراسات عدة إلى أنه في المتوسط، تكون تكلفة الكهرباء المولّدة من محطات الطاقة الشمسية الكبيرة وطاقة الرياح الأرضية أقل من تلك العاملة بالفحم والغاز، وإن كان الموقع الجغرافي يظل العامل الأهم في تحديد التكلفة.
وبينما تكلفة تأسيس محطات الطاقة الشمسية مرتفعة مقارنةً بمصادر الطاقة الأخرى، ولكن تكلفة تشغيلها طويلة الأمد أقل كثيرًا، لأنها لا تستهلك وقودًا يُذكر، وبالتالي فإنها تصبح رخيصة نسبيًا عندما يتم حساب إجمالي تكلفة دورة حياة المنشأة المولّدة للطاقة مقارنةً بإنتاجها.
وإحدى العوامل الفارقة في مسألة الاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية تتعلق بالبحث العلمي والتصنيع.
الوطن العربي ينتشر على مناطق زمنية واسعة من الشرق للغرب وهذا يخلق تفاوتات في توقيتات سطوع الشمس
فالطاقة الشمسية مجال حديث يشهد تطورًا كل يوم، لذا هناك حاجة ماسة لإنشاء مركز عربي عابر للحدود القُطرية لأبحاث الطاقة الشمسية سواءً لتوليد الكهرباء أو تحلية مياه البحر (طُرحت الفكرة بالقمّة العربية بجدة 2023) وذلك على غرار المركز العربي لدراسات المناطق الجافة التابع للجامعة العربية "أكساد"، وربطه هو وغيره من المراكز المماثلة بجهود لإطلاق عمليات تصنيع معدات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، لأنّ مواصفات ومشكلات محطات الطاقة الشمسية متغيّرة حسب الظروف البيئية المحلية، وبالتالي يفضّل أن تكون مرافق التصنيع والبحث العلمي أقرب لأماكن المحطات، كما أنّ صيانتها وتنظيفها مسألة مُلحّة وبالتالي يجب خلق طيف من شركات التصنيع والصيانة لتخفيض التكلفة وبناء ثقافة للطاقة الشمسية.
أخيرًا، فإنّ واحدة من أكبر مشكلات الحصول على الكهرباء من الطاقة الشمسية تتعلّق باقتصار عملية التوليد على ساعات النهار فقط، بينما تخزين الطاقة الكهربائية عملية مكلفة للغاية.
وهنا تكمن أهمية التعاون العربي الجماعي، فالوطن العربي ينتشر على مناطق زمنية واسعة من الشرق للغرب، وهذا يخلق تفاوتات كبيرة نسبيًا في توقيتات سطوع الشمس بين بلدانه، إذ يبلغ الفرق بين موعد أذان المغرب بين الدول الواقعة في أقصى شرقه وبين تلك الواقعة في أقصى غربه نحو 4 ساعات في مطلع الصيف، وهذا يعني أنه يمكن عبر الربط الكهربائي العربي أن تصدّر الدول التي يكون فيها ضوء الشمس ساطعًا وقت الظهيرة فائض إنتاجها للدول التي غربت فيها الشمس.
كما أنّ أوقات ذروة الاستهلاك تتباين، فعلى سبيل المثال، وقت ذروة الاستهلاك في السعودية هو النهار، بينما هو الليل بمصر.
ولقد أسّست الجامعة العربية مؤخرًا السوق العربي للكهرباء بموافقة 22 دولة عربية، وهو يتيح آليات لتسعير الطاقة الكهربائية وتبادلها من مناطق الفائض لمناطق النقص عبر مشروعات الربط الكهربائي العربي.
لدى الدول العربية ميزة إضافية هي امتلاك أغلبها لمساحات صحراوية فارغة شاسعة
ومن المعروف أنّ التوظيف الأمثل لتوليد الكهرباء يقوم على وجود أقل قدر من الفائض في قدرة الإنتاج غير المستخدمة، ولذا اتجهت التجمّعات الإقليمية على مستوى العالم للربط الكهربائي، للاستفادة من تباينات أوقات الذروة لتبادل الفائض.
كما لدى الدول العربية ميزة إضافية هي امتلاك أغلبها لمساحات صحراوية فارغة شاسعة، لأنّ خلايا الطاقة الشمسية عادةً تحتل مساحات كبيرة.
ومما يؤكد الأفق الإيجابي للطاقة الشمسية بمنطقتنا، هو أنّ أستراليا وهي الدولة الغربية الأقرب بصحراواتها الشاسعة في ظروفها المناخية للعالم العربي، لديها مشروع لتصدير الكهرباء المولّدة من الطاقة الشمسية لسنغافورة عبر كابلات بحرية.
وهذا المشروع يعيد للأذهان مقترح تصدير الكهرباء المولّدة من الشمس من الدول العربية لأوروبا عبر المغرب وتركيا الذي سبق أن طُرح، وقد يكون أكثر اقتصادية من المشروع الأسترالي بالنظر لقصر المسافات التي ستقطعها الكابلات تحت البحر.
(خاص "عروبة 22")