بصمات

مخرجات التعليم العالي في البلدان العربية

تُسلّط الكثير من التظاهرات والاحتجاجات في الجامعات الأميركية والغربية الضوء على التحديات والفرص في مجال التعليم العالي، وعلى مسيرة بناء القوة المعقدة والطويلة التي قطعتها الصهيونية على الصعيد العلمي والتكنولوجي من أجل هدف واضح، هو بسط سيطرتها العسكرية والسياسية والإقتصادية الكاملة والتحوّل إلى دولة إقليمية عظمى. ويمكن أن تكشف أيضًا عن ثغرات ومشكلات مشتركة يمكن دراستها وتحليلها لتطوير نظام التعليم العالي في الجامعات العربية.

مخرجات التعليم العالي في البلدان العربية

هذه التظاهرات ركّزت على محاور عديدة، مثل الحريات العامة ، تمويل التعليم، العدالة الاجتماعية، موارد التعليم، ومن خلال دراسة هذه المحاور، يمكن الاستفادة من التجارب الدولية لتحسين أوضاع التعليم والبحث في الإتصالات والتعامل مع المعلومات والتطبيقات (علوم كثيفة المعرفة أو الصناعات كثيفة العلم).

تتركّز أبرز التحديات عربيًا في ضعف التمويل والموارد، والقدرة على إجراء أبجاث متقدّمة، والبيروقراطية والفساد في النظام التقليدي، لا سيما قلّة الروابط بين الجامعات والمجتمع الصناعي، وفي الحصول على تدريب مهني وعملي، مما يؤدي إلى ضعف إنتاجية البحوث والإبتكارات.

البلدان العربية أنتجت مجتمعةً مخرجات بحثية تقل كثيرًا عما تسمح بها مواردها والقوى البشرية التي تمتلكها

بمزيد من التركيز على هذه الجوانب، يمكن للجامعات العربية أن تحقق تقدّمًا ملحوظًا في تنمية المجتمعات وبناء مستقبل أفضل.

الإتفاقيات التي جرى الكشف عنها بين الجامعات الأميركية وإسرائيل، عادةً ما تكون مدعومة بتمويل كبير يساعد في نقل المعرفة والتكنولوجيا وفتح الأبواب أمام تبادل الخبرات والكفاءات وتطور الصناعة المحلية وتطبيقات عملية في مجالات التكنولوجيا الحيوية والطب والزراعة والهندسة الالكترونية والطاقات المتجددة وريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة، ولناحية تطبيق الأبحاث العملية على أرض الواقع، مما ينعكس زيادةً في الإستثمارات الإقليمية والدولية.

يتبيّن أخيرًا، أنّ البلدان العربية أنتجت مجتمعةً عبر العقود الماضية مخرجات بحثية تقل كثيرًا عما تسمح بها مواردها والقوى البشرية التي تمتلكها وأولوياتها التنموية. كما أنّ المكاسب التي حققها عدد محدود منها تقع دون المطلوب من أجل النهوض بأعباء التنمية البشرية الشاملة والمستدامة.

الحاجة واضحة إلى أن تتضمّن سياسات العلوم والتكنولوجيا في المستقبل استجابة أفضل من حيث العمق والاتساع لأولويات التنمية السياسية والاجتماعية والإقتصادية.

أكدت الكشوفات الأخيرة في حقل الاستثمارات الجامعية والاتفاقيات مع إسرائيل على أهمية سياسات العلم والتكنولوجيا والكيانات والمعاهد المكرّسة للصناعات والدور المصيري الذي تلعبه الجامعات. وتقوم كندا والولايات المتحدة الأميركية بهذه الأدوار مع بلدان آسيا والمحيط الهادي، ويبدو أنّ التعاون بين بلدان أوروبا من جهة والبلدان العربية وبلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية قد نما في الآونة الأخيرة.

الدليل الجامعي العربي يتضمّن ركيزتين: جودة مراكز البحث العلمي وأن يكون لكل جامعة مصنعها

المؤشر العربي المركّب، يشير إلى أنشطة يتم تنفيذها والربط بين مدخلات البحث والموارد البشرية من باحثين وصناعيين وأطراف مساعدة ومصادر تمويل، وبين نسبة الخريجين. وأصبح الدليل الجامعي العربي يتضمن ركيزتين إضافيتين، تقيس الأولى جودة مراكز البحث العلمي، وتختص الثانية بمستوى التعاون بين الجامعات والمجال الصناعي، بحيث يكون لكل جامعة مصنعها.

حجم التوقعات الاستثمارية المباشرة الخارجية في مجالات تتضمن مدخلات تكنولوجية صار كبيرًا (عشرات مليارات الدولارات)، ويُعد نتاج البلدان العربية في هذه المجالات كافة متواضعًا، مقارنةً بـ131 دولة من دول العالم، إذ لا تتعدى مراتب جميع الدول العربية المرتبة 34، التي تحتلها السعودية. وحققت ثلاثة من بلدان مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر) أفضل معدلات بالنسبة إلى مؤشر البحث ما يقرّبها من تركيا وماليزيا.

إنّ الجهات المكلّفة بصياغة استراتيجيات تطوير العلوم البحثية والتطبيقية، هي المسؤولة في المقام الأول عن توفير البنية التمكينية الملائمة، شرط أن تمتلك النوايا الطموحة والصلاحيات والسلطة لمعالجة أوجه الضعف العديدة، لا سيما الرؤى التي تجنح نحو المثالية، وتغالي في طموحها ضمن ظروف الواقع العربي حاليًا، الذي يعاني من مستويات بطالة بين خرّيجي الجامعات، التي لم تهتم بتطوير شراكات وطنية مستقلة، ومتواضعة الحجم والتأثير على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بل ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية عامة (لا تتجاوز 1 أو 2%، يقابلها 8 إلى 10% من دخل إسرائيل القومي، وما يقارب 35% من مجمل الطاقة البشرية).

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن