صحافة

الميليشيات والاستقرار الإقليمي

ابراهيم النحاس

المشاركة
الميليشيات والاستقرار الإقليمي

إنّ على الدولة أو الدول المُنشئة والمُؤسسة والرَّاعية للميليشيات المُسلحة أن تُدرك أن الازدهار والرخاء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي يتحقق إنّ تحقق أمن المجتمعات الإقليمية الذي هو أمنٌ لها، وبأن سلام ووحدة صف المجتمعات الإقليمية هو سلام ووحدة صف لمجتمعها..

يتحقق السَّلام الإقليمي والعالمي بالعمل الجماعي بين الدول التي تعهدت بانضمامها للجماعة الدولية، بالالتزام بأسس القانون الدولي والوفاء بمتطلبات العلاقات الدولية القائمة على خدمة المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا السَّلام الذي تعهدت الدول أن تقيمه وتلتزم به وتحميه يؤدي بالضرورة لاستتباب الأمن في المجتمعات وتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي، وبالتالي تتقدم وتتطور وتنمو المجتمعات، وتنعم البشرية بالازدهار والرَّخاء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، لتحفظ بذلك الحقوق والقيم السَّامية، ولتتحقق بذلك كرامة الإنسان كما أقرتها الحضارات الإنسانية النبيلة. إذاً نحن أمام معادلة سياسية واضحة أطرافها، الدول بنظمها السياسية المعتدلة والبناءة، ومعها المنظمات الإقليمية والدولية والعالمية التي أنشأتها الدول، التي تعمل مع بعضها البعض وفقاً لنظام عالمي متفق عليه، لتحقق النتيجة المنشودة وهي الأمن والسَّلام والاستقرار على جميع المستويات الإقليمية والدولية والعالمية بأي طريقة قانونية ونظامية كانت - سلمية أو غير سلمية، فإذا كانت هذه هي الآلية الوحيدة والرئيسة التي يمكن من خلالها أن يتحقق الأمن والسَّلام والاستقرار الإقليمي والدولي والعالمي والمُتمثلة بالعمل الجماعي الذي تقوم به الدول والمنظمات الدولية الحكومية، فلماذا لم تستطع هذه الآلية من أن تحقق هذه الأهداف السَّامية - الأمن والسَّلام والاستقرار - بالمجتمع الدولي بشكلٍ عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص؟!

نعم، إن المُتابع للأحداث السياسية في المجتمع الدولي بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، يلاحظ بشكل مُباشر حالات عديدة تعاني فيها بعض المُجتمعات من غياب للأمن، وانعدام للسَّلام، وتصاعد مستمر لعدم الاستقرار السياسي، وهذه المُلاحظة المبنية على الواقع المُشاهد والمُعاش تزداد حدتها عندما يُعرف بأن وراء هذه الانتكاسات الأمنية والمُجتمعية والسياسية دول تسببت بها بداية، وواصلت بعد ذلك تغذيتها بالتمويل والرعاية والدعم المُستمر لعقود متتابعة. نعم، إنها الحقيقة السلبية القائمة المتمثلة بسعي بعض الدول - ذات الأيديولوجيات الفوضوية - للتوسع الإقليمي والاستعماري سعياً لزيادة نفوذها السياسي إقليمياً ودولياً، وطمعاً في زيادة مواردها وثرواتها بسرقة ونهب ثروات الشعوب الأخرى، ورغبة في فرض قيمها ومبادئها وتوجهاتها الفكرية والأيديولوجية على المجتمعات الأخرى، وهذه الحقيقة السلبية القائمة تعني بالضرورة عدم التزام بعض الدول - ذات التوجهات الأيديولوجية الفوضوية - بقواعد وأُسس القانون الدولي، وعدم احترام الأعراف والتقاليد الدولية المتعارف عليها بين الدول، التي تؤكد تبنى هذه الدول سلوكيات غير أخلاقية وممارسات غير قانونية أساسها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهدفها زعزعة أمن وسلم واستقرار تلك الدول والمجتمعات المُستهدفة بالفوضى، ولتنفذ هذه الدول السلبية أهدافها الهدامة في الدول والمجتمعات المُستهدفة بالفوضى، فإنها تقوم بذلك من خلال التدخل - بشكل مُباشر أو غير مُباشر - في شؤون الدول المُستهدفة بالفوضى. وبما أن التدخل بشكل مُباشر لم يعد معمولاً به لارتفاع تكلفته المادية والمالية والبشرية وصعوبة تحقيق أهدافه، فإن التدخل غير المُباشر هو السياسة التي تعمل عليها هذه الدول السلبية وذلك من خلال إنشاء وتأسيس جماعات وتنظيمات وأحزاب تابعة لها فكرياً وأيديولوجياً في الدول المُستهدفة بالفوضى، فإذا تحققت هذه الخطوة الأولى ونجحت بتأسيس جماعات وتنظيمات وأحزاب تابعة لها فكرياً وأيديولوجياً، فعندها تأتي الخطوة الثانية المتمثلة بتقديم جميع أنواع الدعم والرعاية والتمويل والتدريب بشتى أنواعه المدنية والعسكرية ومدها بالعناصر والقيادات المُحترفة حتى تصبح قادرة على تنفيذ الأهداف الهدامة التي من أجلها أُنشئت وتأسست والمتمثلة بزعزعة أمن وسلم استقرار الدول والمجتمعات المُستهدفة بالفوضى. إذاً نحن أمام معادلة سياسية أخرى أطرافها جماعات وتنظيمات وأحزاب مدربة ومُسلحة تابعة لدول سلبية - ذات توجهات فوضوية - متواجدة في دول ومجتمعات آمنة ومُسالمة ومُستقرة، هدفها تنفيذ سياسات وتوجهات وأفكار وايديولوجيات الدول السلبية المُنشئة والمُؤسسة لها، وغايتها تدمير تلك الدول والمجتمعات الآمنة والمُسالمة والمُستقرة. فإذا كانت هذه هي الحقيقة القائمة بما نراه ونُشاهده في الأحداث السياسية - خاصة في منطقة الشرق الأوسط - حيث الجماعات والتنظيمات والأحزاب المدربة والمُسلحة - الميليشيات - التابعة للنظام السياسي الإيراني تسببت بضعف الأمن، وتراجع أو غياب السَّلام المجتمعي، وزعزعة الاستقرار السياسي، في بعض المجتمعات العربية خاصة في اليمن ولبنان والعراق وسورية، فإنها تدفعنا للتساؤل الرئيس والمتمثل بـ: هل يمكن تحقيق الاستقرار الإقليمي في ظل وجود الميليشيات المُسلحة؟!

نعم، قد تكون الإجابة على هذا التساؤل المُباشر واضحة وسهلة ويمكن معرفتها بالواقع المُعاش حيث التطرف والإرهاب والتدمير والخراب سياسة أصيلة لهذه المليشيات المُسلحة - ذات المُسميات المُتعددة سواءً جماعات، أو تنظيمات، أو أحزاب، أو حشد شعبي، أو غيرها من مسميات وشعارات ذات صِبغة وطبيعة دينية أو مذهبية أو عقدية -، ما يعني بالضرورة عدم إمكانية تحقيق الاستقرار الإقليمي في ظل وجود هذه الميليشيات المُسلحة. نعم، هذه الإجابة المُباشرة توضح الحقيقة التي لا يمكن الحياد عنها لأن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بأي شكل وطريقة كانت، وبأي أسلوب وممارسة، تعني بالضرورة تفتيت وحدة صف المجتمعات، وإضعاف نظامها السياسي، وتشجيع الممارسات والسلوكيات المُدمرة والتخريبية، وتهيئة البيئة المادية والمالية والبشرية للتوجه نحو الممارسات والسلوكيات الإرهابية والمتطرفة، فإذا أضفنا إلى هذه الأسس غير الأخلاقية المُتنافية تماماً مع قواعد القانون الدولي بدعم ورعاية وتمويل هذه الميليشيات بالسِّلاح، وبتدريب عناصرها التدريب العسكري المتقدم، والدعم اللوجستي المحترف، فإن عوامل عدم الاستقرار الإقليمي تتصاعد بتصاعد تطرف وإرهاب هذه الميليشيات المُسلحة بتوجهاتها المُنحرفة فكرياً وأيديولوجياً مما يعني تمدد تطرفها وإرهابها لدول ومجتمعات أخرى لتتصاعد معها حالات عدم الاستقرار الإقليمي، والتي قد تتجاوزه لزعزعة الاستقرار الدولي، فإذا كانت هذه هي الإجابة التي يمكن الوصول إليها بما يتماشى مع أُسس القانون الدولي والأعراف المعمول بها في العلاقات الدولية بين الدول، فهل يعني ذلك عدم جدوى المساعي الدولية الدافعة نحو السَّلام والاستقرار الإقليمي؟! إنه من الصعوبة القول بالإيجاب، أو الجزم بالنَّفي، لأنها تعتمد بشكل مُباشر على سياسات وتوجهات ورغبات وغايات الدول السلبية - ذات التوجهات الفوضوية - الراعية الرسمية للميليشيات المُسلحة.

وفي الختام من الأهمية القول إن على الدولة أو الدول المُنشئة والمُؤسسة والرَّاعية للميليشيات المُسلحة أن تدرك أن خطرها يتجاوز الأهداف والغايات المرسومة لها والمأمولة منها لترتد عليها تطرُفاً وإرهاباً، وبأن آثارها المُدمرة عائدة عليها بالأضرار العظيمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وبأن تخلُصها منها وانفكاكها عنها أصبح واجباً قبل تصاعد تكلفتها التي لا تستطيع تحمل أعبائها وتبعاتها. نعم، إن على الدولة أو الدول المُنشئة والمُؤسسة والرَّاعية للميليشيات المُسلحة أن تُدرك أن الازدهار والرخاء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي يتحقق إنّ تحقق أمن المجتمعات الإقليمية الذي هو أمنٌ لها، وبأن سلام ووحدة صف المجتمعات الإقليمية هو سلام ووحدة صف لمجتمعها، وبأن الاستقرار السياسي والإقليمي هو استقرارٌ لنظامها السياسي ولمحيطها الجغرافي، نعم، هكذا هي المعادلات السياسية حيث الإيجابية تدفع نحو الإيجابيات، بينما السلبية حتماً تؤدي للسلبيات المكلفة لصُناعها قبل غيرهم.

الرياض

يتم التصفح الآن