قضايا العرب

"الظلام" يخيّم على المصريين: خفض الإنتاج وشحّ الدولار!

القاهرة - تامر هنداوي

المشاركة

أمام باب مصعد أحد عقارات محافظة الجيزة، وقف محمد خالد ينتظر مرور5 دقائق، لتنتهي الفترة الذي أعلنتها وزارة الكهرباء المصرية، كوقت محتمل لانقطاع التيار الكهربائي خلال الساعة... يروى محمد الذي يقطن في الدور الـ11، أنّ الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي يصل لخمس ساعات يوميًا، ما يجعل الحياة في حرارة الصيف لا تحتمل.. "كل أجهزة تلطيف الجو لا تعمل، والإنترنت أيضًا، والمياه لا تصل إلى الأدوار العليا، إذ تعتمد على المولّدات الكهربائية لضخّها إلى الأعلى».

مأساة محمد الذي يعمل مدرّسًا في إحدى المدارس الخاصة ويقطن في منطقة شعبية، لا تختلف كثيرًا عن معاناة مدير بنك متقاعد يسكن في حي الزمالك الراقي على نيل القاهرة، فحياة الأخير "تدهورت بشدّة"، على حد تعبيره، إذ يخشى استخدام المصعد خوفًا من انقطاع التيار عليه وهو مصاب بـ"فوبيا الأماكن المغلقة"، ما يضطرّه إلى عدم الخروج من شقته في الطابق الـ15 لأيام.

يربط مدير البنك، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، بين ما تمرّ به مصر من أزمات وما مرّ ويمرّ على لبنان... "كنا نتعجّب كيف يعيش الشعب اللبناني في ظلّ الأزمات التي تحاصره، الآن نمرّ بما سبقنا إليه اللبنانيون نفسه، العملة المحلية تنخفض بشكل مخيف، والخدمات تسوء بشكل مرعب، ولا يعلم أحد كيف سنتجاوز تلك المرحلة".

الأزمة مثّلت مفاجأة للمواطنين، بعد تسويق المسؤولين للتطوّر الذي شهده قطاع الطاقة

أعادت أزمة الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي إلى الأذهان، مشاهد الظلام التي مرّت على مصر قبل عشرة أعوام، خلال تصدّر جماعة "الإخوان" للمشهد السياسي، وكانت أحد أسباب خروج المصريين عام 2013 للمطالبة برحيل الرئيس الراحل محمد مرسي.

الأزمة الأخيرة مثّلت مفاجأة للمواطنين، لا سيما بعد تسويق المسؤولين للتطوّر الذي شهده قطاع الطاقة في مصر باعتباره أحد أهم إنجازات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

الشركة القابضة لكهرباء مصر، أعلنت بدء تطبيق برنامج لتخفيف الأحمال في جميع شركات توزيع الكهرباء الـ9 على مستوى البلاد منذ منتصف السبت الماضي، مع مراعاة أن يتمّ البدء فى فصل التيار قبل 10 دقائق من رأس الساعة و10 دقائق بعدها وألا تزيد مدة الفصل عن ساعة واحدة.

اتهامات متبادلة... وتصريحات حكومية متناقضة

وناشدت الشركة فى بيان لها، المواطنين عدم استخدام المصاعد خلال التوقيت الذي حددته شركات توزيع الكهرباء لفصل التيار حال الحاجة إليه.

المفارقة؛ أنّ جهات حكومية مصرية تبادلت الاتهامات بشأن انقطاع التيار الكهربائي، ففي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الكهرباء أنّ لديها فائض إنتاج، وأنّ الأزمة تتعلق بتوفير الغاز اللازم لتشغيل محطات الوقود، تقول وزارة البترول إنها توفّر ما تحتاجه وتطلبه وزارة الكهرباء.

"توفير الغاز لتصديره"، كان العنوان الأبرز للأزمة، خصوصًا مع تصريحات أيمن حمزة المتحدث باسم وزارة الكهرباء، التي قال فيها، إن أزمة الانقطاعات التى تشهدها البلاد حاليًا ناتجة عن نقص الوقود المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، كاشفًا أنّ  الشبكة القومية للكهرباء قادرة على توليد 48 ألف ميغا/واط، فى حين أنّ استهلاك المواطنين لا يتعدى الـ36 ألف ميغا/واط.

"شبكة نقل الكهرباء فى مصر تعتبر حاليًا من أقوى الشبكات في العالم، وهناك إقبال كبير من المستثمرين من مختلف أنحاء العالم للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة في مصر"، بهذه الكلمات نفى حمزة أي مسؤولية لوزارته في الأزمة.

حديث المسؤول المصري، يتماشى مع تقرير حديث للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء، يشيد بـ"نجاح قطاع الطاقة في التحول من العجز والاستيراد إلى تحقيق طفرة في الإنتاج والتحول للتصدير، ضمن خطة لتحويل القاهرة لمركز إقليمي للطاقة".

حسب التقرير؛ تحوّل عجز الطاقة الكهربائية المولدة إلى احتياطي يبلغ أكثر من 13 ألف ميغا/واط عام 2022، مقارنةً بعجز قيمته 6 آلاف ميغا/واط عام 2014.

اعتمدت الحكومة في تطوير قطاع الطاقة، على قروض من مؤسسات دولية تضاف إلى قروض أخرى ضاعفت معدّل الديون

التقرير، يشير أيضًا إلى أنّ قدرات توليد الكهرباء زادت خلال 8 سنوات بنسبة 141.8٪، لتبلغ 59 ألف ميغا/واط عام 2022، مقابل 24.4 ألف ميغا/واط عام 2014،  في وقت قالت وزارة الكهرباء إنّ مصر وصلت إلى ذروة الأحمال في استهلاك الكهرباء، بصورة لم تصل إليها على مدار التاريخ، حيث وصل الاستهلاك إلى 34 ألف و600 ميغا/واط، خلال الموجة الحارة التي ضربت البلاد مؤخرًا.

ويلفت التقرير ذاته إلى أنّ حجم الاستثمارات في قطاع الكهرباء المصري ارتفع بنسبة 413 في المائة ليبلغ 62 مليار جنيه عام 2021 - 2022، مقابل 12 مليار جنيه عام 2013 - 2014.

وبلغ حجم استثمارات مشروعات إنتاج الكهرباء المنفّذة 355 مليار جنيه، يقول التقرير، مشيرا إلى أنّ أبرز مشروعات الطاقة التقليدية المنفّذة، محطات الدورة المركبة العملاقة لتوليد الكهرباء، والتي نفّذتها شركة "سيمنس" الألمانية في مناطق (البرلس- العاصمة الإدارية- بني سويف) بإجمالي قدرات 14400 ميغا/واط.

واعتمدت الحكومة المصرية في تطوير قطاع الطاقة، على التمويل من قروض حصلت عليها من مؤسسات دولية، وتضاف قروض تطوير هذا القطاع إلى قروض أخرى ضاعفت من معدّل الديون ما جعل الحكومة المصرية في مرمى الانتقاد الدائم من معارضيها.

"أزمة ثقة بين الشعب والحكومة"، بهذه الكلمات وصف الخبير الاقتصادي المصري إلهامني الميرغني جوهر مشكلة انقطاع الكهرباء والذي عاد بقوة في ظل موجة حر غير مسبوقة، وقال لـ"عروبة 22": الحكومة طالما نشرت وأعلنت عن 31 محطة كهرباء جديدة وأن إنتاج الكهرباء يزيد على 3 ألف ميغا/واط، وأنّ لدينا فائضًا يزيد على 13 ألف ميغا/واط وأننا نبحث عن وسيلة لتصديره للخارج".

وينتقد الميرغني التصريحات المتضاربة التي تصدرها الحكومة، "يقال إنّ انقطاع التيار يعود إلى رغبة الحكومة في تصدير الكهرباء، ثم يقال إن تخفيف الأحمال يعود إلى حاجة الحكومة لتصدير الغاز.. وعلى الشعب أن يصدّق رغم التناقض الواضح".

وزير البترول المصري طارق الملا، كشف عن أنّ مصر تستهدف تصدير الغاز مجددًا بحلول أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وأضاف في تصريحات صحافية، أنّ معظم إنتاج مصر يستخدم محليًا في الصيف، لكن هناك كميات فائضة متاحة للتصدير خلال فصل الشتاء.

وأشار الوزير إلى أن استهلاك محطات الكهرباء المصرية من الغاز زاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى رغبة الحكومة المصرية في تقليل الاعتماد على المازوت في توليد الطاقة الكهربائية مع ارتفاع أسعاره عالميًا.

تسعى مصر لتوفير النقد الأجنبي لسداد أكثر من 15 مليار دولار من الديون القصيرة والطويلة الأجل خلال النصف الثاني من 2023

وكانت وزارة البترول المصرية أعلنت أنها حققت رقمًا قياسيًا في صادرات مصر من الغاز عام 2022 لتبلغ 8.5 مليار دولار، مقابل 3.5 مليار دولار في عام 2021، بنسبة زيادة 171%.

إلا أنّ الطفرة التي شهدها إنتاج الغاز في مصر، واجهت صدمة خفض الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي منذ العام الماضي، حينما بدأ إنتاج حقل ظهر في التراجع.

ووصل إنتاج حقل ظهر من الغاز في أبريل/ نيسان الماضي، إلى 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا، بنسبة انخفاض تبلغ 23% عن الإنتاج المفترض للحقل البالغ 3.2 مليار قدم مكعب يوميًا.

سوّق الإعلام "تدشين المحطات" كأهمّ إنجازات السيسي، ليفاجأ الناس بأزمة ظلام جديدة كالتي شهدها حكم "الإخوان" 

سياسة الاقتراض التي عادةً ما تنتقدها المعارضة المصرية، زادت من الضغط على الموازنة العامة للدولة، لا سيما مع حاجة الحكومة إلى توفير العملة الخضراء لسداد أقساط وفوائد الديون المستحقة.

ووسط شح النقد الأجنبي، تبحث مصر عن مصادر لتوفيره، لسداد 3.86 مليارات دولار من الديون القصيرة الأجل و11.38 مليار دولار من الديون الطويلة الأجل، خلال النصف الثاني من العام الجاري.

الميرغني، قال إنّ كلما اقترب مواعيد استحقاق الفوائد والأقساط، فإنّ الحكومة تبحث عن أي وسيلة لتحصل على النقد الأجنبي حتى تتمكن من سداد الديون التي ذهبت معظمها في إقامة مشروعات لم تُجرى لها دراسات جدوى ولم تكن ضرورية أو ملحة ولن تدرّ أي عائد على المدي المتوسط والقصير.

ولفت إلى أنّ موازنة موازنة العام الحالي 2023/2024، تتضمن سداد فوائد تقدّر بـ1120 مليار جنيه، وسداد أقساط ديون بقيمة 1315.9 مليار جنيه.

 على مدار 8 سنوات، سوّق الإعلام المصري تدشين محطات الكهرباء وتوفير فائض احتياطي في الإنتاج الكهربائي باعتباره أهم إنجازات عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مقابل ما شهده عام حكم جماعة "الإخوان المسلمين" والذي أظلمت فيه بيوت المصريين، ليفاجأ الناس مجددًا بأزمة ظلام جديدة، ربما لا يتسبّب فيها حجم إنتاج مصر من الكهرباء، لكنّ القطاع نفسه تأثّر بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن