عرف المهندس العشريني ومعه الملايين من المصريين أنّ مصر أصبحت بقدرة قادر تعتمد على الغاز الاسرائيلي، ما ضاعف مساحات السخط.. فإذا كان المصريون رفضوا تصدير الغاز المصري لإسرائيل قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فكيف يقبلون مهانة أن نعتمد عليهم الآن في مدنا بأحد أهم مصادر الطاقة؟.
بالتزامن مع الاعتراف المؤسف لرئيس الحكومة عن مدى حاجة مصر للغاز الإسرائيلي، حلّت في صمت الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية الكويز "2004/2024"، وهي اتفاقية للتطبيع الاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب برعاية، أو ربما بضغط من، أمريكا.
وما بين أزمه الغاز الأخيرة التي فجّرها تصريح رئيس الحكومة المصري، وبين أزمات "الكويز" يمكن تلخيص نتائج التطبيع الاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب. فالمؤشرات والأرقام تكشف أنّ مصر لم تستفد اقتصاديًا من التطبيع الاقتصادي، وعلى المستوى الشعبي لا تزال لغة رفض التطبيع هي السائدة بل المسيطرة على مشهد العلاقات بين البلدين.
النائب وأستاذ الهندسة محمد عبد الغني، نائب رئيس الحزب العربي الناصري، قال لـ"عروبة 22"، إنّ "مصر لم تحقق أي مكاسب من التطبيع مع العدو الصهيوني منذ توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، إنما بالعكس إسرائيل تحقق لها ما أردت".
وتؤكد الأرقام الرسمية ما ذهب إليه المعارض المصري، فبحسب وحدة المناطق الصناعية المؤهلة وجهاز تنمية المشروعات بوزارة التجارة، لم يتجاوز عدد المصانع التى دخلت حيّز التنفيذ نسبة 25% فقط، فمن بين نحو 1180 شركة شملها اتفاق الكويز فى 2004 بأربعة محافظات لم تشارك سوى 200 فقط في تلك الاتفاقية - انخفض العدد إلى دون الـ200 مؤخرًا بحسب الوحدة -، ولم تحقق صادرات "الكويز" مليار دولار أمريكي سوى في عامين فقط، فضلًا عن ذلك شهدت الاتفاقية عراقيل عدة بسبب عجز الجانب الإسرائيلي عن الإيفاء بحصته البالغة 10،5% من مكونات الإنتاج، ما دفع الجانب المصري إلى المطالبة بخفض النسبة إلى 8.5% أسوة بالاتفاق المبرم مع الأردن، وبحسب مصدر منفتح على المحادثات الثنائية فقد وافق الجانب الإسرائيلي على خفض النسبة إلى 8.5% قبيل الحرب على غزّة ثم توقفت المحادثات لاحقًا.
و"الكويز" هي اتفاقية تجارية تضم كلًا من مصر وإسرائيل وأمريكا، وتسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الولايات المتحدة دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكوّن إسرائيلي بنسبة محددة، وأُعلنت نهاية 2004، ودخلت حيّز التنفيذ في شهر فبراير 2005، وكانت نسبة المكوّن الإسرائيلي عند بداية تفعيلها 11.7%، وانخفضت بعدها بعامين إلى 10.5%.
ومقارنة بالصادرات المصرية السلعية التي بلغت نحو 35 مليار دولار عام 2023، فإنّ كل صادرات "الكويز" لا تتعدى نحو 1%. وهذه الأرقام تؤكد ما ذهب إليه السفير المصري جمال بيومى من الخطأ التاريخي في توقيع مصر لاتفاقية الكويز. فقبيل توقيع الاتفاقية اندلع رفض برلماني وشعبي وجدل اقتصادي حول جدواها.
واعتبر بيومى حينئذٍ أنّ الأفضل لمصر الدخول في مفاوضات مع الجانب الأمريكي لتوقيع اتفاقية تجاره حرّة، وذلك تعويضًا عن إلغاء أمريكا لنظام الحصص التصديرية، متهمًا لوبي رجال الأعمال الذي ضغط لقبول "الكويز" بأنه يعمل لمصالحه الخاصة.
أما الغاز بطل الأزمة الأخيرة، فبعد وقف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، اختارت الحكومة المصرية الدخول مع تل أبيب في مفاوضات استيراد الغاز وتسييله وإعاده بيعه لأوروبا، وذلك عوضًا عن دفع التعويضات التي أقرّها أحد مراكز التحكيم الدولي.
وبحسب مصدر فى وزارة البترول تحدث لـ"عروبة22"، فإنّ وجود أنانيب خط الغاز بين تل أبيب والقاهرة، التي كانت مخصّصة لتصدير الغاز المصري، سهّل قرار الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، مضيفًا: "اقتصاديًا فإنّ قرب إسرائيل الجغرافي خفض تكاليف النقل".
وصدّرت مصر إلى إسرائيل بقيمة نحو 150 مليون دولار عام 2023، فيما بلغ حجم التبادل 270 مليون دولار، وتمثّل الأجهزه الكهربائية والأسمنت والمواد الغذائية أهم الصادرات المصرية لإسرائيل. وتستورد مصر من إسرائيل بنحو 115 مليون دولار، وتتركز وارادت إسرائيل غير البترولية لمصر في مستلزمات تصنيع الملابس الخاضعة لاتفاقية الكويز بشكل خاص. ويتوقع أن ينتهي العام المالي الحالي بزيادة أكبر في صادرات مصر من الغاز مما يرفع حجم التبادل التجاري بين القاهرة وتل أبيب.
لكن سياسيًا، يبدو استمرار هذا الوضع مقلقًا للقاهرة ومحزنًا ومرفوضًا من معظم المصريين الذين يتساءلون عن حقيقة انهيار حقل ظهر للغاز الطبيعي في شمال البلاد، ويبحثون عن المسؤول عن الوضع الخطير الذي يحيط الأمن القومي المصري.
"كيف أصبحت أنوار قاهرة المعز ومصر أكبر الدول العربية فى يد تل أبيب؟"، هكذا أنهى النائب وأستاذ الهندسة السياسي المعارض محمد عبد الغني، حديثه مع "عروبة 22"، مشددًا على ضرورة "إعادة النظر فى كل أشكال التطبيع مع إسرائيل".
(خاص "عروبة 22")