في مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية والضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية، تلتفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التركيز على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقبول بفتح المسارات الديبلوماسية، لتوسيع اتفاقات أبراهام. تقع سوريا بنظامها الجديد، في قلب الاهتمام الأميركي لهذه الناحية. وتحدث المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان توم برّاك لصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي، عن "محادثات جدية" بوساطة أميركية تهدف إلى "استعادة الهدوء على حدودهما".
وخطوات الانفتاح الأميركية على النظام الجديد تمضي على خطين متوازيين: تحسين الموقع الديبلوماسي والاقتصادي لسوريا في الإقليم والعالم، والدفع نحو اتفاق مع إسرائيل، غير واضح المعالم إلى الآن. ذلك، أن وزير الخارجية الإسرائيلي أعرب عن "اهتمام" إسرائيل بالتطبيع مع سوريا ولبنان. لكن دمشق ردّت رسمياً على ذلك، بالقول إن الكلام عن التطبيع "سابق لأوانه"، وإن هذه المسألة يجب أن يسبقها انسحاب إسرائيلي إلى خطوط معاهدة "فك الاشتباك" لعام 1974 التي توسّط فيها وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر.
لكن هذا الأمر دونه عقبات. ولا يني المسؤولون الإسرائيليون، بدءاً من نتنياهو ونزولاً، يكرّرون أن مرتفعات الجولان السورية المحتلة لن تكون على طاولة المفاوضات لأنها جزء من الأراضي الإسرائيلية، حتى باعتراف ترامب عام 2019. أي اتفاق جديد سيأخذ في الاعتبار موازين القوة التي برزت خلال 22 شهراً من الحروب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن والتوغلات المتمادية في الأراضي السورية، وصولاً إلى مسافة عشرة كيلومترات من العاصمة دمشق. ونتنياهو نفسه، قال إن إسرائيل باقية في قمّة جبل الشيخ إلى "أجل غير مسمّى"، ورئيس أركانه الجنرال إيال زامير يقول: "لقد دخلنا إلى سوريا لأنها تفككت".
وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية، يوردون معلومات خطيرة، مضمونها دعوة إلى منح سوريا أراضي في لبنان في مقابل تخليها رسمياً عن الجولان. وسبق لتوم برّاك وهو يتولى منصب السفير الأميركي لدى تركيا قبل أن يكون مبعوثاً إلى سوريا ولبنان، أن هاجم معاهدة سايكس-بيكو لعام 1916، واعتبرها نتاجاً للاستعمار الأوروبي. فهل "بلاد الشام" أمام خريطة جديدة ستكون أحد إفرازات الحروب الإسرائيلية، التي يفاخر نتنياهو بأنها "غيّرت" الشرق الأوسط؟
منذ سقوط بشار الأسد قبل سبعة أشهر، تتعاطى إسرائيل مع النظام الجديد في سوريا من النواحي الأمنية، وعلى رسم حدود جديدة خارج الأراضي المحتلة عام 1967. يضيف ذلك، تحدياً جديداً للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي بعث بأكثر من رسالة بأنه لا يريد قتال إسرائيل وأنه مهتم بالسلام معها. وهو يدرك أن الدعم الأميركي له، مرتبط إلى حدّ كبير بهذا التوجّه، ولا سيما أن الأوضاع الداخلية في سوريا لا تزال غير مستقرة، على الصعيدين الأمني والاقتصادي. ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حذر نظيره السوري أسعد الشيباني الأسبوع الماضي من أن إيران، على رغم انشغالاتها الحالية، لن تتوقف عن السعي لتغيير موازين القوى داخل سوريا.
هل تكتفي إسرائيل باتفاق أمني في الوقت الحاضر مع سوريا، في انتظار فترة اختبار لمدى قدرة الشرع على توطيد دعائم حكمه في الداخل، بمساعدات عربية وأوروبية وأميركية، أم ترى الفرصة سانحة لضمّ دمشق إلى الاتفاقات الإبراهيمية دفعة واحدة؟ كمّ هائل من القضايا المتفجرة التي تواجه النظام الجديد، من ملف الأقليات، إلى السيطرة على "العناصر المنفلتة" من الفصائل التي قاتلت ضد النظام السابق، وهي تأكل من رصيد النظام الجديد، إلى استكمال بناء العلاقات مع العالم ورفع "قانون قيصر" الأميركي، إلى ترميم الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وهذا هو الأهم بالنسبة لتحقيق الاستقرار.
وعلى وهج جمر الحرب مع إيران، يستعجل ترامب إنضاج رؤيته الجديدة لسوريا والمنطقة.
(النهار اللبنانية)