ولكي نكون أكثر دقة فيما يخص العالم العربي، فإنّ حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي هي المتوسط العالمي نفسه عند نسبة 26٪ لكن جودة الاستثمار أقل بشكل ملحوظ: فجودة مناخ الاستثمار والمخاطر تضيف 1.1٪ إلى النّمو سنويًا إلى المتوسط العالمي لكنها تطرح 0.8٪ من المتوسط العربي.[1]
فهل يمكن للاستثمارات الأجنبية المباشرة أن تساعد[2] في هذا السّياق؟ وماذا عن الاستثمارات العربية البينية المباشرة؟
من الجدول أعلاه نرى أنّ الدّول العربية، فيما يتعلّق بمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، تلقت 1.5 تريليون دولار من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة 2003-2022، لكنها كانت موجّهة بمعظمها إلى قطاعَي الطاقة والعقارات، أي في قطاعات تتماشى مع الميزة النّسبية التقليدية للعالم العربي، وليس في القطاعات التي يمكنها تحويل الميزة النّسبية العربية إلى تخصصات جديدة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصّناعات التحويلية المتوسطة والعالية. ومن حيث التشغيل، لم يشمل هذا القطاع سوى 1.2% من القوى العاملة (2.2 مليون من أصل 178 مليون قوة عاملة عربية). السبب هو أنّ عامل المخاطرة ومناخ الاستثمار ليسا ملائمين لمثل هذه الاستثمارات.
العالم العربي يفتقر إلى التطوّر والدّقة والتخصّص التي هي من سمات الشركات العالمية المتعددة الجنسيات
ومع ذلك، هناك مفاجأة سارة: على الرّغم من أنه كان من المتوقّع أن تتجمع الاستثمارات الأجنبية في دول مجلس التّعاون الخليجي ومصر، فإنّ حقيقة انضمام المغرب إليها أيضًا ربما تكون مؤشرًا على تمتعها بميزة نسبية غير تقليدية، حيث أنها فقيرة نسبيًا بالمعادن وسكانها أقل من 40% من سكان مصر البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة!
أما بالنّسبة للاستثمارات العربية البينية، فلم تكن أفضل حالًا، خاصةً وأنّ العالم العربي يفتقر إلى التطوّر والدّقة والتخصّص التي هي من سمات الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.
لكن هناك مفاجأتان سارتان: الأولى، أنّ الطّاقة المتجددة تجتذب بشكل متزايد الكثير من التمويل بين الدّول العربية، وهذا أمر جيّد من النّاحية التّكنولوجية والبيئة. والثانية، أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدّول العربية يمثّل 27.6% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم العربي (414.5 مليار دولار من أصل 1.5 تريليون دولار)[3]. وهذا أعلى من حصّة الصّادرات العربية البينية في إجمالي الصّادرات العربية البالغة 11٪، وهو مؤشّر على أنّ التّدفقات الاستثمارية هي أكثر تكاملًا من التدفقات التجارية في العالم العربي. لكن الحقيقة تكمن في أنّ التدفقات الاستثمارية لا تزال مدفوعة إلى حد كبير بالاعتبارات التقليدية، وربما السياسية، بين الدّول العربية.
التنمية الاقتصادية لا تنطوي على أقل من عملية حقيقية للنموّ المادي والنموّ السياسي والنموّ في القدرات
في الحقيقة، لم تحتل سوى سبع دول عربية - هي دول مجلس التّعاون الخليجي الست والمغرب – الترتيب في الثلث الأعلى تقريبًا على مستوى العالم من حيث المخاطر ونوعية مناخ الاستثمار؛ أما بقية الدّول، باستثناء الأردن ومصر، فهي في الثلث السفلي[4]. وبهذه النتائج، لا يمكن تحفيز الاستثمار الجيّد ولا التنمية والتكامل المناسبين. لذا فإنّ هناك حاجة مُلحّة لتحسين هذه النتائج ليس فقط لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والعربية البينية، بل لجعلها أفضل.
وبالطبع فإنّ قول هذا أسهل من تطبيقه في العالم العربي. ولكن هذا هو المعنى الحقيقي للتنمية الاقتصادية، لأنها لا تنطوي على أقل من عملية حقيقية للنموّ المادي والنموّ السياسي، والنموّ في القدرات، والنموّ معًا.
[1] بلبل، ع. "ما مدى كفاءة الاقتصادات العربية؟ نظرة تجريبية"، عروبة 22، حزيران 2024.
[2] لاحظ أنه من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العالم العربي تعادل المتوسط العالمي، وكلاهما على مستوى 2%.
[3] لا توجد بيانات عن استثمارات المحافظ العربية البينية؛ وإذا تم إدراجها، فإنّ حصة إجمالي التدفقات الاستثمارية العربية البينية ستكون أعلى من ذلك.
[4] ضمان، النشرة الربع سنوية، مارس 2024. قائمة النتائج لعام 2022 من حيث التصنيف العالمي هي كما يلي (بالترتيب التنازلي): الإمارات 22، السعودية 35، عمان 38، قطر 39، الكويت 59، البحرين 62، المغرب 87، الأردن 89. مصر 97، الجزائر 129، تونس 154، جيبوتي 156، العراق 167، موريتانيا 176، فلسطين 182، لبنان 183، ليبيا 188، الصومال 198، سوريا 199، اليمن 200، والسودان 201.
(خاص "عروبة 22" - ترجمة: سحر الزرزور)