بصمات

مستوى التعليم يتدنّـى: "ركود المعايير"

بلغ تراجع مستوى التعليم في العالم الذروة في أوائل عام 2010، ومنذ ذلك الحين تراجع مستوى الأداء في إنتاج المعرفة ونشرها واستيعاب التكنولوجيا وتوطينها، ومن ثمّ تطويرها في مجتمعات لها قدرة على تكوين رأس المال البشري وتوظيفه، مثل فلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا، وفي أماكن أخرى، في ظل تراجع طلب الدرجات وبعض الاختبارات الدولية.

مستوى التعليم يتدنّـى:

لعبت الصدامات الداخلية والخارجية دورًا كبيرًا، وجلبت الهجرات العديد من الوافدين الذين لا يتحثدثون لغة التدريس، وعلمت الهواتف المحمولة على تشتيت انتباه الطلبة وإبعاد رؤوسهم عن الكتب في المنازل والمكتبات. ثمّ كان وباء كورونا مدمّرًا إلى حد بعيد، واللافت أنّ العديد من الحكومات أغلقت الجامعات فترة أطول مما كان ينبغي، وفقد الطلاب عادة الدراسة والحضور في العديد من الأماكن، وأصبحت الفصول الدراسية أكثر صخبًا وتشويشًا.

الأرقام مثيرة للقلق من حيث تدني الفرص التعليمية المتاحة في عدد كبير من البلدان العربية

وعلى الرغم من تنوّعها الغني، تتماثل البلدان العربية مع غيرها من دول العالم بعدد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتحديات التي تجابهها، ومن أبرزها الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، وتنويع الاختصاصات ومواءمتها لفرص العمل، وحوكمة الجامعات، وأساليب إدارتها، وتطوّر القدرات البحثية، والنزعة نحو تدويل التعليم العالي بجودته ومجابهة التطورات المستقبلية. لكن الخطأ ليس هنا، وليس في ملامح التطوّر التي شهدها العالم في العقود الماضية، وتزايد الإقبال على التعليم بعامة والدراسات الجامعية. إذ تخفي المعطيات مجتمعة التفاوت الكبير بين الدول العربية نفسها وبين دول العالم، لجهة توفير العدالة وتكافؤ الفرص والجمود النسبي في معدلات الالتحاق الخامّ، مع استثناء بعض البلدان.

البلدان العربية تحتاج الى إنشاء ما لا يقل عن ألفي مؤسسة جديدة للتعليم العالي، فالأرقام مذهلة ومثيرة للقلق من حيث تدني الفرص التعليمية المتاحة في عدد كبير من البلدان العربية لجهة الانتساب والتنوّع في الاختصاصات والتصنيف وتوليد فرص العمل والحريات الأكاديمية والجودة والنوعية والقدرات البحثية والتعاون الدوليّ.

ومع ذلك، ليست الصورة أفضل في العالم، وتتحمّل خسائر السياسات التعليمية قدرًا كبيرًا من اللوم عن "ركود المعايير". في أميركا على سبيل المثال، كان إصلاح المدارس ذات يوم قضية مشتركة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، واليوم أصبح اليمين مهووسًا بتوافه الحرب الثقافية، في حين يمارس اليسار "التعصّب الناتج عن التوقعات المنخفضة"، ويزعمون أنّ الفصول الدراسية متحدة ضد الأقليات والمهاجرين إلى الحد الذي يجعل من المستحيل إلزام كل الطلاب بمعايير عالية، ويريدون تخفيف الأعباء المنزلية والامتحانات، أو إلغاءها من أجل الصحة العقلية.

تقول إحدى النظريات إنّ التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، ستجعل التعليم التقليدي أقل فائدة. ويلاحظ تقرير حديث أنّ الاستثمارات في الصناعة والتجارة تنخفض بشكل عام في العالم منذ العام 2016، بنسبة 20%، ومنذ العام 2020 بنسبة 40% مع استخدام الرجال الآليين/الروبوتات. لذلك تتبنى البلدان مناهج دراسية تتركز على "مهارات" محددة بشكل غامض، وتقلّل من أهمية الحقائق باعتبارها مجرد هراء. وقد شهدت العديد من الدول، مثل اسكتلندا، نموًا أقل في مهارات الحساب والقراءة والكتابة نتيجةً لذلك، أما الدول التي قاومت ذلك، مثل فرنسا وانكلترا، فقد كان أداؤها أفضل.

يستمر بعض العرب في تجريب ما لا ينجح في التعامل مع التحديات المعقّدة

يبقى لصنّاع السياسات، أن يركّزوا على الأساسيات ويدافعوا عن الاختبارات الصارمة، وأن يفسحوا المجال للجامعات المستقلة وأن يدفعوا أجورًا تنافسية للأساتذة. هذا لا يتطلب إرهاق الميزانيات مع تحقيق الجامعات نتائج أفضل، بتفوّق التلامذة.

فاق اليابانيون أقرانهم الأميركيين في الاختبارات، على الرغم من أنّ متوسط الفصول الدراسية الثانوية لديهم يحتوي على عشرة مناهج إضافية. وكل الطلاب في العالم اليوم يعانون من الأنظمة ذات المستوى العالي، مثل سنغافورة، التي تقوم بالتجارب إلى ما لا نهاية وتعمل بسرعة وتمضي قدمًا، ويستمر آخرون كبعض العرب في تجريب ما لا ينجح في التعامل مع التحديات المعقّدة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن