لا تختلف تلك الأنظمة عن الساسة والدبلوماسيين والصحفيين الغربيين الذين توافدوا على المنطقة في الأيام التالية لـ"طوفان الأقصى"، وبينما انشغلوا بإدانة المقاومة والحديث عن بشاعات مزعومة جرت في مستوطنات غلاف غزّة، تجاهلوا أنّ ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان حتميًا، وإن لم يحدث في هذا الشهر كان سيحدث في يوم آخر أو شهر آخر أو حتى عام آخر، لكن توقع عدم حدوثه إنكار كامل للمنطق وحساباته.
لم يكن غائبًا عن تلك الأنظمة العربية ولا المراقبين الغربيين أنّ مسار التسوية السياسية كان مغلقًا بالضبة والمفتاح، بلا أمل ولا حتى ضوء في نفق، حتى أنّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو تباهى علنًا بأنه نجح طوال عشرين عامًا في الإجهاز على اتفاق أوسلو، حتى الطنطنة الدبلوماسية بـ"حل الدولتين" ما عادت مطروحة على ألسنة القادة الصهاينة من قبل الولاية السابقة لدونالد ترامب، وخلالها وبعدها.
تفكك كارثي في النظام العربي الإقليمي حتى فقد أدوات الفعل والقول معًا
ولا يغيب عن الجميع مشهد نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يعرض خريطة لإسرائيل تشمل كامل الضفة وغزّة.
حالة الاعتدال العربية برغم ما حاولت تقديمه لإنجاز تسوية تدعم الاستقرار، إلا أنها تراجعت على كافة المستويات وفقدت كافة أوراق الترغيب والترهيب حتى تحولت التسويات المنفردة بالتعبير الصهيوني من "الأرض مقابل السلام" وفق ما تضمنته المبادرة العربية الجماعية، إلى "السلام مقابل السلام"، ولتذهب الأرض ومن عليها إلى الجحيم.
هذه الحالة التي دعمها ظرف دولي عمد إلى تجاهل القضية ونسيانها، مع تفكك كارثي في النظام العربي الإقليمي حتى فقد أدوات الفعل والقول معًا، سمحت لإسرائيل بإحكام حصارها على غزّة وزيادة معدلات قضمها للأراضي في الضفة، والاستمرار في انتهاك الحقوق والمقدّسات في القدس.
لم يعد يملك الفلسطيني الذي تخلى عنه الجميع، سوى ما تحت يديه من وسائل مقاومة مشروعة، واندلع 7 أكتوبر/تشرين الأول كتعبير حتمي واضح عن مسار الأحداث. لكن الحالة العربية الرسمية ما زالت تبيع الاعتدال وتراهن على استعادة الاستقرار، فيما لا تقدّم شيئًا واضحًا لضمان التزام إسرائيل بالأهداف ذاتها.
على العكس من ذلك تجاهر إسرائيل وعبر قرار من الكنيست برفض الدولة الفلسطينية، وترفض "حل الدولتين"، ولا تريد إنهاء الاحتلال، حتى بعد صدور فتوى محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته، ولا تريد إيقاف عدوانها على غزّة، لأنها وحسب صحيفة "هآرتس" العبرية فالحرب بالنسبة لحكومة الاحتلال "ليست وسيلة لتحقيق هدف ما لكنها الهدف نفسه".
كان "7 أكتوبر/تشرين الأول" الماضي حتميًا بفعل الممارسات الإسرائيلية التي تستمر وتتصاعد بما يجعل من "7 أكتوبر" آخر محتملًا وحتميًا وقدرًا لا مهرب منه.
هل المقاومة إذن المسؤولة عن زعزعة الاستقرار في المنطقة أم إسرائيل؟.
للحظة لا بد أن يدرك عُباد الاستقرار العرب أنّ إسرائيل أخطر على استقرارهم من أي طرف آخر، وأنّ لديها من الممارسات والإجراءات ما يكفي لبقاء المنطقة مشتعلة لعقود دون إطفاء، وأنّ ألف باء السياسة تقضي بأنني لو كنت قد حددت هدفي ببناء الاستقرار فلا بد أن أضع يدي بموضوعية على الجهات التي تهدد هذا الهدف، وأي تحديد لتلك الأطراف لا يضع إسرائيل على رأس تلك القائمة لا إنصاف فيه.
انتقال العرب من حالة الاعتدال إلى حالة الحزم كفيل بضمان استقرارهم
ليس من مصلحة دعاة الاستقرار العرب الاستمرار في إلقاء اللوم على المقاومة وتجاهل إسرائيل، وليس من مصلحتهم الاستمرار في التعامل مع الكيان الصهيوني بالطرق والسياسات والإجراءات ذاتها دون تبني سياسة بديلة، خصوصًا بين الدول التي تملك علاقات كاملة أو أقل من كاملة أو أدنى من ذلك مع إسرائيل، لضمان كبحها عن التسبب في المزيد من العصف بسلامة الإقليم واستقراره، هذه السياسة لا بد أن تعتمد على وضع كل ما يمكن لإسرائيل أن تخسره على الطاولة بما في ذلك تلك العلاقات التي لم تجلب سلامًا ولا استقرارًا ولا حقوقًا للشعب الفلسطينى.
انتقال العرب من حالة الاعتدال إلى حالة الحزم، بامتلاك أدوات بسيطة للفعل كفيل بضمان استقرارهم المعبود، وإفقاد أطراف أخرى ترفع القميص الفلسطيني على أسنة رماحها مساحات الفراغ التي تتحرك فيها.
(خاص "عروبة 22")