ثقافة

السينما.. وحقّ الإنسان العربي في "التعليم"!

عالجت السينما العربية تيمات مختلفة خلال العقود الماضية، ولعلّ أبرزها تيمة التعليم في ضوء السياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تنفرد بها المنطقة. 

السينما.. وحقّ الإنسان العربي في

غالبًا ما تتعمّق هذه الأفلام في قضايا مثل الوصول إلى التعليم، وأدوار الجنسين في البيئات التعليمية، وتأثير التحديث على أنظمة التعليم التقليدية، والتحديات التي يواجهها المعلمون والطلاب على حد سواء.

رحلة البحث عن الكلمة.. من دمشق إلى بيروت

يُعتبر فيلم "أحلام المدينة" من إخراج محمد ملص، من أكثر الأعمال السينمائية التي لمست معاناة الإنسان السوري في الحصول على أول حقوقه الإنسانية. يُصوّر الفيلم قصة صبي صغير يسعى إلى التعليم في دمشق وسط الاضطرابات السياسية. ينشأ يوسف في دمشق خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي فترة من التغيير السياسي والاجتماعي في سوريا.

يستكشف الفيلم تجارب يوسف ووجهات نظره أثناء تنقله عبر مشهد المدينة المتغيّر، متأملًا أحلامه وتطلعاته وتأثير الأحداث التاريخية على حياته الشخصية.

من خلال رحلة يوسف، يُقدّم فيلم "أحلام المدينة" تصويرًا مؤثّرًا للتقاطع بين الأحلام الشخصية والتغيّرات المجتمعية الأوسع التي حدثت في دمشق خلال تلك الحقبة.

نجد أيضًا الفيلم الشهير "كراميل" (سكر بنات) من إخراج نادين لبكي. يصوّر هذا الفيلم حياة عدة نساء يعملن في صالون تجميل، وتتناول كل واحدة منهن تطلعاتها الخاصة وانتكاساتها، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالتعليم.

فيلم "كراميل" من إنتاج عام 2007، هو رحلة مؤثرة لخمس نساء يشاركن حياتهن الشخصية ويتحدين الأنماط الاجتماعية. يعمل الصالون كخلفية مؤثثة للقصة أو شخصية سادسة، حيث تثق النساء ببعضهن البعض ويتشاركن آمالهن وأحلامهن وصراعاتهن وسط التوقعات المجتمعية والعلاقات الشخصية.

يستكشف الفيلم مواضيع الحب، والصداقة، والتقاليد، والسعي إلى الاستقلالية على خلفية بيروت المتغيّرة. من خلال حياة شخصياته، يُقدّم الفيلم لمحة خاصة عن تعقيدات المجتمع اللبناني الحديث والتحديات العالمية التي تواجهها النساء وعلى رأسها حقهن في التعليم.

الحق في التعليم.. بين الإمبريالية والأعراف القبلية

عالجت السينما الخليجية تيمة التعليم على ضوء السياقات التاريخانية والظروف الدينية والمجتمعية المتغيّرة.. وكمثال على ذلك، نجد فيلم "وجدة" من إخراج السعودية هيفاء المنصور. يحكي هذا الفيلم الرائد الذي صدر عام 2012 قصة فتاة صغيرة تحلم بامتلاك دراجة هوائية، متحديةً بذلك المعايير الجنسانية ومدافعةً عن فرص التعليم للفتيات.

"وجدة"، وهو أول فيلم روائي طويل من إخراج امرأة في المملكة العربية السعودية، يوثّق قصة فتاة مفعمة بالحيوية تبلغ من العمر عشر سنوات تُدعى وجدة (تؤدي دورها وعد محمد)، تتحدى الأعراف الثقافية الراسخة في الرياض من خلال حلمها بامتلاك دراجة هوائية وركوبها، على الرغم من القيود المجتمعية المفروضة على ركوب الفتيات للدراجات. يرصد الفيلم رحلتها أثناء مشاركتها في مسابقة لتلاوة القرآن الكريم لجمع المال لشراء دراجتها، متحديةً بذلك محيطها المحافظ.

يُقدّم فيلم "وجدة" تعليقًا قويًا على أدوار الجنسين والتقاليد ومرونة تطلعات الشباب في مواجهة الشدائد.

نجد بالموازاة مع الأعمال السينمائية التي عالجت قضايا التعليم لدى الفتيات في المجتمعات المحافظة، أعمالًا هي بمثابة توثيق تاريخي لفترة مهمة عاشتها دول المنطقة العربية بدون استثناء، وهي الفترات الاستعمارية وما خلّفته من تركة يصعب لحد الآن تفكيكها.

ولعل فيلم "ذيب" من إخراج ناجي أبو نوار، أفضل مثال على ذلك، حيث يستكشف هذا الفيلم الأردني رحلة صبي بدوي صغير خلال الحرب العالمية الأولى، مسلطًا الضوء على التعليم غير الرسمي الذي اكتسبه من خلال البقاء والصراع.

صدر "ذيب" عام 2014، إلّا أنّ أحداث قصته تدور في عام 1916، ويجوز لنا القول إنّ هذا العمل السينمائي الرصين سعى إلى رصد تحديات الحقبة الإمبريالية والحربية عبر سرد قصة ذيب. هذا الصبي البدوي الصغير الذي يشرع في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحراء العربية مع ضابط بريطاني ودليله، ويواجه العديد من التحديات والخيانات على طول الطريق.

وبينما يتعلّم ذيب الشجاعة والثقة والبقاء على قيد الحياة في هذه البيئة القاسية، يستكشف الفيلم مواضيع التقاليد والولاء وتأثير الحرب على مجتمع ناءٍ.

يُجسّد التصوير السينمائي اتساع الصحراء وجمالها، مما يُعزّز التجربة الغامرة لقصة بلوغ ذيب سن الرشد وسط خلفية من التغيّر التاريخي والثقافي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن