بصمات

المفارقات العربية في الأولمبياد.. بين نماذج التفاؤل والتشاؤم!

لأنّ المنافسات الرياضية القارية، فالأحرى العالمية، ليست مجرّد فعاليات رياضية وحسب، وإنّما تتجاوز هذا الأفق الاختزالي، وهو الأفق الاختزالي نفسه الذي نجده عند أغلب الباحثين في المنطقة العربية على هامش تعاملهم مع الفعل الرياضي، فإنّ أولمبياد باريس 2024، يُعتبر مناسبة جديدة لكي تعاين شعوب المنطقة العربية، تقييمًا لأداء السياسات العربية الخاصة بقطاعات الرياضية والشباب، مع فارق جوهري هذه المرة، مفاده أنّ التقييم أشبه بامتحان عالمي، لأنّه يحظى بمتابعة عالمية وليست متابعة عربية وحسب.

المفارقات العربية في الأولمبياد.. بين نماذج التفاؤل والتشاؤم!

وبالتالي، إذا كنا نحن في المنطقة، نمارس الازدواجية مع بعضنا البعض في معرض تقييم هذه السياسات، أو نمارس خطاب المجاملة المتبادلة بين حكومات المنطقة، فإنّ الأمر مختلف كليًّا مع الأولمبياد، حيث إنّ النتائج نفسها مكشوفة أمام الجميع، ولا يمكن التغطية قط على كم ونوع المشاركة المتواضعة التي كانت مصير المشاركة العربية بشكل عام، مع بعض استثناءات تهم نجاحات نسبية، لكنها أشبه بشجرة انتصار تغطي غابة هزائم.

الهزائم الرياضية تندرج في سياق هزائم موازية في البحث العلمي والاقتصاد والاجتماع والعمل السياسي

يهُمنا هنا التوقف عند بعض الأمثلة العملية التي تصب إمّا في خانة التفاؤل بخصوص قدرة المواطن العربي على التفوق والإبداع، أو تصب في خانة التشاؤم بخصوص إصرار بعض المسؤولين - الحكومات نموذجًا - في المنطقة على تكريس هذا التخلّف الذي يكاد يكون بنيويًا. وفي الحالتين معًا، نستأنس بثلاثة أمثلة من باب الاستئناس إن لم نتحدث عن الاعتبار.

في شق الإشارات التي تصب في التفاؤل، نذكر على سبيل المثال النماذج التالية:

- ما يجب أن ينتبه إليه صنّاع لقرار أنّ أيّ إنجاز لفاعل رياضي محلي في مناسبة تحظى بمتابعة عالمية، يكون عاملًا مغذيًا للقوة الناعمة للدولة المعنية التي أنجبت هذا البطل، سواء تعلق الأمر برياضة فردية أو جماعية، إضافة إلى تغذية مؤشرات الاقتصاد الرياضي للدولة نفسها، وأحد الأمثلة في هذا السياق، أنّ إنجاز المنتخب المغربي في كأس العام بقطر 2022، كان أحد أسباب ارتفاع نسبة السائحين إلى المغرب بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى 33 في المائة. (حسب إحصاءات رسمية)

- للإنجازات الرياضية عوائد سياسية على الدولة المعينة بشكل لا يضاهى، والنموذج هنا ما نعاينه في الساحة الفرنسية التي تحتضن الأولمبياد، حيث في عز أزمة الجمهورية الخامسة، إلى درجة صدور دعوات تدعو إلى إعادة العقل السياسي لأداء الجمهورية، وفي عز الانتقادات الحادة التي يتعرض لها الرئيس الفرنسي، وتنظيم الأولمبياد في غياب تشكيل حكومة، جاءت هذه الفعاليات لتغطي على تلك الأزمات، وتزرع أجواء من الفرح على عامة وخاصّة الفرنسيين.

- تساهم هذه الأحداث الرياضية في تغذية المشترك العربي في مواجهة خطاب الاحتقان والصراعات السياسية القائمة بين بعض دول المنطقة فيما بينها، ونذكر هنا على سبيل المثال أداء المُعلّق الأردني عثمان القريني على سباق 3000 متر موانع، والذي عرف فوز العدّاء المغربي سفيان البقالي. تفاعل المُعلّق جعله بين ليلة وضحاها، يُصبح نموذجًا للإشادة الكبيرة في المغرب، من فرط التنويه الكبير الذي حظي به في مواقع التواصل الاجتماعي.

نأتي للإشارات المضادة، المغذية لمؤشرات التشاؤم، ونذكر منها على سبيل المثال النماذج التالية:

- هذه الهزائم الرياضية تحصيل حاصل في المنطقة العربية، لأنّها تندرج في سياق هزائم موازية تهم عدة حقول أخرى، في البحث العلمي، والاقتصاد، والاجتماع، والعمل السياسي وفي مجالات عدّة، وما لم تنتبه إليه حكومات المنطقة، أنّ تكرار هذه الهزائم المُركّبة يغذُي أزمات نفسية لشعوب المنطقة، كانت في غنى عنها.

حضور الرؤية العلمية في الإدارة والتدبير والاقتصاد والرياضة في مقدّمة أسباب النهضة التي نعاينها في أوروبا

- ساهمت الهزائم نفسها في ترويج خطاب جلد الذات بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ومعه خطاب نقدي يكاد يتقاطع مع خطاب تيارات استشراقية مُعينة، إضافة إلى تفشي خطاب السخرية والتنمر إمّا ضد الرياضيين العرب الذي شاركوا في الأولمبياد أو ضد المسؤولين العرب عن القطاعات الرياضية، وواضح أنّه لا يمكن فصل أحد أهم أسباب هذه الظواهر عن تأثير الحالة النفسية السيئة لنسبة كبيرة من شعوب المنطقة، وهي تقارن نتائج المشاركات العربية مع نتائج باقي المشاركات من العالم بأسره.

- تفيد الحداثة بأنّها رؤية علمية للعالم، وإذا تركنا القلاقل المرتبطة بهذا التعريف، تلك الخاصة بالمنطقة العربية في حال استحضار المُحدّد الديني، فإنّ حضور الرؤية نفسها في أداء الدول الأوروبية على سبيل المثال، في الإدارة والتدبير والاقتصاد والرياضة، يوجد في مقدّمة أسباب النهضة التي نعاينها هناك، وهذا ما يغيب كليًا في المنطقة العربية، وتكفي قراءة أداء المؤسّسات الرياضية الوصية على الأنواع الرياضية هنا في المنطقة، طبيعة التدبير والأداء، لكي نأخذ فكرة عن ثقل هذا العطب البنيوي الذي يغذي الهزائم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن