حرب ... وعادلة؟! فالحرب لا يمكن ان تكون عادلة لأنها تنطوي على العنف والفسوة وعلى انتهاك حق البشر بالحياة مع كل الأضرار والمآسي الناتجة عنها. لذلك وبما انه من المتعذر لا بل من المستحيل تفادي الحروب، فقد ابتكر الفكر الفلسفي الموغل في القدم مبدأ «الحرب العادلة» وقد بقي هذا المبدأ معمولا به حتى بعد ظهور المسيحية والغاية منه ليس منع الحرب وان كان هو المبتغى وانما حث الدول على ايجاد طرق اخرى لحل النزاعات وذلك من خلال وضع العديد من القيود على المبدأ.
ليس صحيحا القول انه اذا كنا نريد السلام علينا ان نستعد للحرب لأن ارادة السلام تفرض علينا دولا وافراد ان نكون اقوياء للدفاع عن انفسنا.
ظهرت نظرية «الحرب العادلة» في عصر فلاسفة اليونان والرومان مثل افلاطون وشيشرون وانضم اليهم لاحقا علماء دين مسيحيين مثل اوغستين وتوما الأكويني.
تتكون نظرية «الحرب العادلة» من جزأين: حق الحرب اي الظروف التي تبرر استخدام القوة العسكرية. والحق في الحرب اي كيفية ادارة الحرب بطريقة اخلاقية. ولذا لا تكون «الحرب عادلة» الا اذا كانت مبررة ومنفذة بالطريقة الصحيحة.
وهكذا تكون نظرية «الحرب العادلة» مذهبا وسطا بين المسالمة الذي ينكر الحرب بشكل مطلق والعنف الذي يبرر اللجؤ الى الحرب. وبمعنى آخر يحدها حدان: حد الحرب وحد العدالة.
وبما ان الحرب هي امر سيىء لأنها تنتهك حق الإنسان في الحياة جاءت نظرية «الحرب العادلة» لتشكل الإطار الأخلاقي لتحديد متى يجوز خوض الحرب.
من هنا يشكل امتلاك قضية عادلة الشرط الأول وربما الأكثر اهمية في قانون الحرب لكن يجب ان تكون الغاية المرجوة متناسبة مع الوسائل المستخدمة التي تتداخل مع المبادىء الأخلاقية التي نص عليها قانون الحرب. المطلوب اذا ان يتحقق مبدآن هما التمييز اي تحديد الأهداف المشروعة التي تدافع عنها الحرب ومبدأ التناسب الذي يحدد مقدار القوة المناسبة اخلاقيا.
لقد حدد منظروا مبدأ «الحرب العادلة» سبع نقاط يجب ان تتوفر لكي تكون «الحرب عادلة» اهمها السبب العادل والنية الصحيحة والسلطة الشرعية وتناسب الوسائل مع السلوك الصحيح... فإذا ما حادت الحرب عن احد هذه الميادىء اصبحت غير عادلة مثل الهجوم العشوائي الذي يطال ابرياء كما تفعل اسرائيل في المجازر الجماعية التي ترتكبها وآخرها مجزرة المدرسة التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن مائة شهيد ليسوا بمقاتلين بحيث صارت الحرب احدى وسائل «القتل».
وبشكل عام ان الحرب التي تقودها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن تبريرها من خلال نظرية «الحرب العادلة» ذلك لأن العنف الذي يرافقها لا ينطوي على اي حجة اخلاقية. والأهم من كل ذلك ان القضية التي تقاتل اسرائيل من اجلها لا تشكل سببا عادلا ومشروعا لأنها تقاتل لحماية جرائمها المتولدة عن احتلال ارض فلسطين.
ولهذا فقد فرض مؤيدوا «الحرب العادلة» على الدولة التي تريد استخدام القوة العسكرية ان تثبت ان هناك سببا عادلا لأن القتال ليس امرا عاديا يتم اللجؤ اليه دون ضوابط.
ان نظرية «الحرب العادلة» اصبحت عاجزة عن تفسير الوحشية الإسرائيلية ما دفع بالبابا فرنسيس لأن يقول ان الوقت قد حان لإعادة التفكير في مفهوم «الحرب العادلة». وقبله قال الفيلسوف باسكال اننا عندما عجزنا ان نجعل من العدالة قوة جعلنا من القوة حقا وعدالة. حتى القديس «توما الأكويني» الذي دافع عن نظرية «الحرب العادلة» يقول ان الحرب فعل مشين وخطيئة كبرى وهي رذيلة وليست فضيلة كالسلام.
(اللواء اللبنانية)