قضايا العرب

ارتفاع معدلات الطلاق.. أزمة تهدّد المجتمعات العربية!

القاهرة - منى أبو النصر

المشاركة

تتصاعد مؤشرات الطلاق في العالم العربي بوتيرة مُحيّرة منذ سنوات، وهو ما تكشفه مراكز الإحصاء من جهة، وسجالات الرأي العام و"السوشيال ميديا" التي تحمل معها أصداء الخلافات الأسرية المحتدمة التي تنتهي بالطلاق، وتتحوّل تباعًا لأرقام في مراكز المعلومات الأرشيفية.

ارتفاع معدلات الطلاق..  أزمة تهدّد المجتمعات العربية!

بنظرة سريعة على أرقام الطلاق في عدد متفرق من دول العالم العربي، نجد أنّ مصر سجلت العام الماضي 240 ألف حالة طلاق، حسب "مركز معلومات مجلس الوزراء"، وفي العراق كشف "مجلس القضاء الأعلى" عن 72 ألف حالة طلاق في عام 2023، وكشفت "الهيئة العامة للإحصاء" بالسعودية عما وصفته بـ"ارتفاع غير مسبوق" في معدلات الطلاق في المملكة خلال عام 2023، حيث رصدت 168 حالة طلاق يوميًا، وحسب "جميعة أطفال تونس" فإنّ أعداد الطلاق ارتفعت إلى 35 ألف حالة العام الماضي.

.. بين النبذ والترحيب

تشير الاتهامات بشكل تقليدي إلى كل من الظروف المادية ووسائل التواصل الاجتماعي كعاملين رئيسيين في "خراب" البيوت، حسب التعبير الشعبي الذي يجد في الطلاق خرابًا للبيت، وفي الزواج إعمارًا له، كما تشير الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع في مصر، وهي تقرأ المسافة بين الاعتداد بمؤسسة الزواج في العالم العربي قبل سنوات وبين عدم الاعتداد بها خلال السنوات الأخيرة كما تعكس الأرقام اليومية. وتقول منصور لـ"عروبة 22": "أصبح الطلاق هو الحل الأسهل لمواجهة مشكلات الزوجين"، فهناك مسافة كبيرة بين مسألة نبذ المجتمعات العربية للطلاق، وحتى وصم المطلقات وتحجيم فرصهم اجتماعيًا، وصولًا للترحيب بالطلاق باعتباره بداية جديدة تحمل معها البشرى، حتى أننا بدأنا نسمع منذ سنوات عن عقد حفلات للطلاق وهي من المشاهد الجديدة على مجتمعاتنا".

وتضيف أستاذة علم الاجتماع: "خلف تلك الأرقام المتصاعدة للطلاق في العالم العربي، تبدو هناك أسباب مشتركة وراء ارتفاعها، أبرزها تراجع المستويات الاقتصادية وتسريح العمالة، ما يجعل التكفّل بأسرة أمرًا بالغ التعقيد ينتهي في كثير من الأحيان بالطلاق".

إلا أنه لا يمكن حصر العامل الاقتصادي كسبب مهيمن على حالات الطلاق باختلاف الدول والمجتمعات العربية، حيث يدعم ارتفاع مؤشرات الطلاق في دول تقل فيها المشكلة الاقتصادية وترتفع بها مستويات الرفاهية، مثل المجتماعات الخليجية، وجود أسباب أخرى تتعلق بالخلافات المتصاعدة داخل مؤسسة الأسرة، فالسياق يختلف باختلاف المجتمعات كما سبق وأشار أحمد جاسب، وهو قاضي أول في محكمة الأحوال الشخصية في الرصافة بالعراق، الذي صرّح في يوليو/تموز الماضي لوكالة الأنباء العراقية أنّ معدلات الطلاق المرتفعة في العراق باتت تكشف عن صراع "القيم العراقية" مع قيم جديدة تخص الأسرة: "منظومة القيم العراقية لم تستطع أن تصمد طويلًا أمام مواجهة القيم الأخرى، وهي في صراع دائم معها".

وسبق أن لفتت المرشدة الأسرية السعودية أمل الحريبي إلى أنّ تحليل بعض أنواع الزواج مثل "المسيار" هو الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق، وهو الزواج الذي اعتبرت أنه غير قائم على أركان حقيقية، داعيةً، كما ذكرت في تصريح صحفي لها، الجهات الشرعية والرسمية إلى إيقاف هذا النوع من الزواج لأنه يزيد من نسب الطلاق ويُفقد الحياة الزوجية استقرارها.

منابع الأزمة والتشريعات

على جانب موازِ، تسعى مؤسسات دينية ومجمتعية في العالم العربي إلى دعم برامج للتوعية والدعم الأسري، كبرنامج الأزهر الشريف "عاشروهن بالمعروف" الذي تبنى دورًا دعويًا اجتماعيًا، استخدم فيه "السوشيال ميديا" لبث فيديوهات قصيرة لأعضاء فتوى بالأزهر للحديث عن أبرز المشكلات التي تواجه الزوجين، كما أطلقت "وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة" في دولة قطر العام الماضي حملة وطنية بعنوان "سنة أولى زواج" بهدف "خفض الطلاق في المجتمع القطري"، حسب ما أعلنته الحملة، وتتركز تلك البرامج بشكل رئيسي على تأهيل الأزواج الجدد، تحديدًا على مواجهة عقبات الزواج.

وكانت وزارة التضامن في مصر قد لفتت إلى أنّ نسبة كبيرة من حالات الطلاق تقع خلال السنوات الـ3 الأولى، بمعدّل 15 بالمئة من المتزوجين حديثًا.

ويتجاوز ملف الطلاق أروقة المؤسسات الاجتماعية والرعاية الأسرية إلى أروقة السياسات والتشريعات، كتقرير تم تقديمه إلى المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي لمناقشة "سياسة الحكومة بشأن معايير الزواج وبرنامج تأهيل المقبلين على الزواج"، وجرت مناقشته مطلع يوليو/تموز الماضي بهدف إيجاد آلية فعالة تبحث في نسب الزواج والطلاق، وقياس أثر برامج التأهيل التي تدعمها الدولة وانعكاسها على واقع استقرار الحياة الأسرية بناء على التغيّرات التي تشهدها المجتمع.

كما سبق وتصدّر ملف الطلاق الخطاب الرسمي في مصر، بعدما علّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ارتفاع معدلات الطلاق، تحديدًا "الطلاق الشفهي"، وأكد في مارس/آذار من العام الماضي على ضرورة المضي في مسار تعديلات قانونية يجري إعدادها تلزم بـ"توثيق الطلاق" لتأكيد وقوعه بين الزوجين، وقام بالتصديق مطلع هذا العام على قانون بالموافقة على إصدار "وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق"، وهي وثيقة إجبارية تهدف لحماية المرأة بعد الطلاق، وتأمينها ماديًا لحين استلام جميع مستحقاتها القانونية من الزوج، بما سيتعيّن معه إدخال تغييرات في وثائق الزواج خلال الفترة المقبلة.

إلا أنّ هذه المبادرات لا تمنع المنبع الرئيسي لأزمة ارتفاع معدلات الطلاق من الأساس، التي يتم عادة ربطها بالزواج المبكر، والوضع الاقتصادي، وقلّة الخبرة، وتعلّق الدكتورة حنين عبد الله، مستشارة العلاقات الزوجية بالأردن، لـ"عروبة 22" على أسبابه النفسية وتقول: "التسرّع في الأحكام، والعنف المباشر وغير المباشر، والمشكلات الجنسية، علاوة على النقد المستمر والعناد والتطلعات المادية التي تهدد كثيرًا من الأسر العربية، وعدم مشاركة الاهتمامات، والاختلاف في نمط الحياة وتربية الأطفال، ما يُشعر كل طرف أنّ الطرف الآخر تغيّر بعد الزواج، وهو ما يزيد بالتبعية مع المسؤوليات والأعباء".

وتضيف أنّ "وسائل التواصل ساهمت بشكل كبير في التشويش على قيمة الأسرة، وسط انسحاب كل طرف في عالم اهتماماته، وهو ما كان قديمًا يُعرف بـ"الخرس الزوجي" ولكنه تطوّر إلى شعور بغربة أكبر داخل البيت، فقبل نقاش أزمة الطلاق وما يتبعها يجب في البداية مناقشة مشكلات الزواج، الذي صار كثير من الأجيال الجديدة تشعر بتخوّفها من الإقدام عليه لما يشاهدونه من نهايات مؤسفة".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن